فن وثقافة

بوح غامض.

 

زينة اقللوش

أعتقد أنني من الناس الذين رفضوا المجيء إلى هذه الأرض لخوض تجربتها المادية، لذلك لم أشعر إطلاقا بالتجدُّر فيها ، أحس أنني ريشة ترميها الرياح كما تشاء ، تقذفني هنا وترطمني هناك ، تدوسني الأقدام، أستقر في يد طفل يلعب بي قبل أن يمل ويرميني مجددا ، ريشة مقطوعة من جناح ما…، مجهولة المصدر…

لذلك لم أشعر أبدا بالإنتماء لأي شيء ولأي شخص ، ولأي فكرة ، أنزع عني جلدي من فترة لفترة كما تفعل الأفاعي، أبتلع سمي وأحيانا أنفثه، وأغير سحنة وجهي كما تفعل الحرباء ، ألتقي الناس وأفارقهم وبي رغبة لمزيد من اللقاءات والفراقات …

أموت وأبعث من رماد نفسي ، لا أستكين ، لا أكف عن اللف والدوران ، هل لديكم مثل أسئلتي !؟ عذباتي!؟ هل أنهككم الشك مثلي؟ هل أعياكم البحث عن مصدركم؟ حتى مظاهر الطبيعة اللئيمة تتكتم على الحقيقة الكامنة فيها ، كم يلزمني من التأمل لأفهم لغتها الصامتة، كم يلزمني من السفر في أكواني الداخلية ؟ كم قطارا سيفوتني؟ كم طائرة ستضيع في متهات الزمان ، كم يلزمني من الجهد لأتذكر أحلامي حين أبعث من الموت بجسد آخر ، كم من الأجساد ستحمل روحي!؟

ضاقت روحي بجسدي، انتهى رصيد صبري ، أشتاق الى الإنعتاق، ضاقت الأرض بشغفي، أحرق كل يوم في جحيم أسئلتي،وأدرك الجنة ..أصبح بكماء لا اتقن فن الحديث، أرتبك حين أضطر لأمثل مسرحية تافهة مزيفة ، لا أتماهى سوى مع الحقيقة، أكلم الله في سري فيبعث لي رسائل مشفرة…

أجلس فوق السحاب لفكها، يتعقبني الماتريكس، يحاول تشكيلي، سلبي من نفسي، تتملص روحي ، تتحول إلى سراب، وأحيانا إلى زئبق وأحيانا أخرى إلى موسيقى على ترددات الطبيعة…

تعزف روحي على أوتار الحنين إلى الذرة التي انقسمت لتكون أنا، أتوق للالتحام بها، لأشتم رائحتها التي تتركز فيها رائحة كل الموجودات ، والأكوان التي ندركها والتي لا ندركها، أحكي لها تجاربي من حياة لحياة حين كنت إنسانا وحين كنت موجا وحين كنت شمسا …أهمس لها هذا ما أدركته لحد الآن…وللحقيقة بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock