فن وثقافة

من يوميات معلمة في نواحي كرامة(2)

رغم معاناتي، في أيامي الأولى من العمل ، في هذا العالم، المنسي، الغريب عني بعيدا عن عائلتي، واحساسي الدائم بأني في منفى، إلا أني احتفظ بذكريات جميلة وأيام مميزة ،قضيتهاهناك، متأثرة بتلك الأجواء خصوصا إني مع مرور الوقت نجحت في التأقلم والتكيف مع الوضع وتكوين صداقات مع سكان “اغرم”. الحلقة الأولى.


السوق الأسبوعي (فاضمة موحى.)
واستفيق، على صوت “الكلاكسون”،إنه مولاي علي…ارتدي ثيابي بسرعة، وانا ادعو الله أن أجد أحد المقاعد الأمامية فارغة، فحتى إن كنت قد حجزت أحدها، إذا كانت هناك امرأة مسنة أو رجل مسن أو مريض ذاهب إلى المستشفى، اتنازل عن مقعدي خجلا واحتراما… وأقدر الظرف، واضطر للركوب في الخلف مع الآخرين ،مما يجعلني أصارع الدوخة واستعين برش عطري كلما شعرت بالغثيان، ورائحة عرق الركاب أو رائحة أحذية، أو دواجن، أو تقلص الأوكسجين كلما ارتفع عدد الركاب، ركاب من اغرم و من “الرحل” ،الذين نجدهم في الطريق،لأن مولاي علي شخص محبوب وقلة وسائل النقل هنا تجعله يقف لأي كان حتى وإن زاد عن المسموح به…

فيوم الاثنين عيد والجميع لهم الحق في الذهاب إلى السوق، لقضاء مصالحهم، وكسر روتين حياتهم اليومية أيضا ،وأخذ قسط من الراحة، وأنا أتأمل في الوجوه استرق النظر إلى وشم إحدى النساء، أو قلادة أو لباس، حزام، دملج أو جلباب رجل أو عمامة وهم منهمكون في أحاديث لا منتهية…

عند الاقتراب من نقطة وجود الدرك على مقربة من الدخول إلى كرامة يضطر مولاي علي إلى إبقاء مجموعة من الركاب وأغلبهم من الرحل، على قارعة الطريق حتى يعود إليهم خوفا من دفع غرامة ثقيلة حتى وإن كان متعودا على دفعها كل اثنين لأصحاب الحال حتى وإن لم تكن هناك أية مخالفة بل هي مجرد تحية أسبوعية لهم…

وقبل الوصول إلى حيث يركن مولاي علي حافلته يقف أمام المطحنة حيث ينزل الركاب ممن حملوا معهم أكياس القمح أو الذرة أو الشعير لطحنها، لتبدأ جولتي في الدخول إلى مقهى حيث أتناول فطوري رغم محاولة بعض الركاب استضافتي من آباء تلاميذ وزوجاتهم، أو السائق نفسه،”رواح اتفضرت أولوستادة”، لأعتذر، في لطف فانا أفضل البقاء وحيدة…

أدخل بعدها سوق الملابس اكتشف الجديد هناك، فأحيانا أجد ازياء جميلة هنا في هذا العالم المنسي لا أجد مثلها في محلات المدن الكبرى وباثمنة مناسبة أيضا فاقتنيها، واتسلى في النظر إلى الأشياء البالية من قطع قديمة وملابس تشاطارى والجوطية ،كما يوجد مكان مخصص لبيع أبواب وطاولات خشب وما يتعلق ببناء منازل تابوت.

الفضول يدفعني للدخول إلى محل عطارة استمتع بالنظر إلى نسوة رحل يقتنين الكحل والسواك، مرايا، كريمات مرطبة أو دهنة لمحاربة تشققات اليدين والرجلين في هذا البرد القارس الذي يؤثر على البشرة لكونه جاف، مشط، حناء، رابوز، بوصيار، توابل او أعشاب، تتعالى اصواتهن وهن يطلبن من عمي عسو العطار تخفيض الاثمنة وهو يضحك، لأدخل إلى محل كبير أنظر إلى الافرشة والأواني وأنا استرجع أيامي الأولى هنا حيث قام ابي باقتناء ثلاجة صغيرة وفرن صغير وتلفاز وبعض اللوازم والآثاث،وهو يمزح قائلا أصبحت الآن كعروس صحراوية التي تأخذ معها جهاز إلى بيت زوجية لأصبح زبونة في هذا المحل أدخل إليه كلما أتيت إلى السوق…

أسمع سي دريس ينادي مرحبا أستاذة تفضلي ارتاحي واش خصك شي حاجة ،نهار كبير هذا نجيبو اتاي …فاعتذر كالعادة لأني في عجلة من أمري ، انظر إلى أحذية ميكة( إيكوربين) كما يسمونهم، وهناك نسوة تختار هنا وهناك لأختار واحدا انا بدوري ،فقشو تقول لي “رغان اكوربيناد” فدار مع تقاشر،تسيقي بهم كيرطبو رجلين….

والسوق كبير وبه اكتظاظ والجو جميل، أناس هنا وهناك يشترون ويتجولون وأغلبهم يتحدث الأمازيغية، وبين الفينة والأخرى اسمع تحيات من سكان “اغرم” أو أصحاب محلات أو دكاكين أصبحت مألوفة لديهم وهم يعرضون خدماتهم، مرحبا تلمعلمت، إد لاباس؟ تبارك الله على استاذة،مرحبا، حتى بعض بائعي الملابس…

وانتقل إلى سوق الخضر وأنا أمر من مكان مخصص لبيع البيض والدجاج البلدي والأرانب…وأمام دكاكين الدجاج الحي والجزارين، والتمر، لأسمع ضحكات وأحاديث بين بائعين ومشترين للشعير والقطاني، ويبقى سوق الخضر رغم غلائه فالخضر والفواكه متوفرة وطرية وأغلب الخضارين يأتون من ميدلت وهناك أقلية هم فلاحون من اغرمان وفيرمات مجاورة يأتون لبيع منتجاتهم الطبيعية حسب المواسم وكل أسبوع، من بصل ،جزر ،نعناع، شيبة، طماطم، خوخ، مشماش شهدية ،دلاح لفت، بطاطس،كرعة، رمان، ومنتجاتهم الطبيعية لها طعم خاص، إضافة إلى اللوز والجوز والتمر ،،وأنا اتأمل في محل حداد فورنويات، تويويات، أناس مقبلين على الشراء فالوقت شتاء، لاتذكر قسمي وتلاميذي القلائل وهم يحملون الحطب إلى القسم للتدفئة ،وقد تركتهم في يد أمينة حيث يقوم زميلي بتدريسهم في غيابي كما أقوم بتدريس تلامذته حين يغيب هو كذلك فنظام العمل لدينا لا صعوبة فيه خصوصا أننا نقوم أحيانا بتدريسهم حصصا إضافية كلما اقتربت الامتحانات أو لاحظنا إهمالا في القيام بواجباتهم،خصوصا حين يضطرون للغياب كلما اعتمد عليهم…

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock