ما بعد منتصف الليل
عثمان ناجي
كتابات ما بعد منتصف الليل لا تشبه سائر الكتابات.النافذة المفتوحة على ضوء الشارع الخافت يتسرب منها الصمت،و الباعوض الشرس.
هو أيضا باعوض منتصف الليل اللعين.يمتهن حرفة الازعاج ويتقنها.تتربص الواحدة منه بمكان رطب بجسد البشر ،تصل الى المكان الموعود و تنزل بكل هيبة مثل مروحية رئيس أمريكا حين تحط في حديقة البيت الأبيض الخضراء .يتزعزع النائم قليلا بعد أن تسرب الصوت المزعج الى داخل عقله المشغول بحلم ما.
الباعوضة تسفك دم البشر بكل برودة اعصاب.تحاول ان تنال أيضا من الساهرين مثلي،فلا حجة تصمد أمام جيش الناموس الغازي.الباعوض كما الحياة،عليه أن يمتص دمك حتى أخر قطرة بدون رحمة أو عطف مزيف .
الحشرة اللعينة تتعمد قطع حبل الأفكار،و تتسبب كذلك في عاهات كتابة ما بعد منتصف الليل. تشاؤم ما بعد منتصف الليل تصيبه كلمات الكتاب المرحين و المبتسمين بالقرف و الاشمئزاز:الحب خدعة كبرى و أسوء ما في الماضي من ذكريات ينتصب سدا منيعا أمام محاولات الفرح الغبية و غير المناسبة بالمرة لساعة الكتابة هته.
الناقد المحترم ،نائم في فراشه الآن مثل سائر خلق الله الطيبين،مزهوا بدبلوم في الآداب يزين الحائط الأيسر في غرفة النوم الهادئة، مستمتعا بحلم يعج بالفراشات و بالألوان البهية ، لا يدري ما قصة كتابات ما بعد منتصف الليل، سيستيقظ غدا و يغادر حمامه منتشيا،لكي يتناول فطورا شهيا و يحتسي قهوته قبل أن يقرأ نصوص منتصف الليل و الباعوض مثل هذا،ثم يقرر بكل تعال أن كذا و كذا ،و ان الحداثة و ما بعدها تفرض هذا و لا تقبل ذاك.
بعد منتصف الليل،يتحالف الأرق و خيبات الأمل.تكتب كأنك تابن آخر ابتسامة، آخر كلمة جميلة ،آخر ذرة حب سقطت سهوا داخل جهيم القلق الدائم و الغضب المشتعل مثل جهنم صغيرة.
تباشير الصباح تفسد متعة السواد و تعجل بنهاية مهمة كتاب الليل الذين لا يصلحون لشيء و لا ينصح بقراءتهم.
بعد حين،سيعود الناس الى أشغال عادية لا تتسبب في نوبات شك وجودية،و لا في شلال من الحنق و الاستعلاء يسقط فوق أكاذيب العالم و التزاماته السخيفة و المملة.
الخباز سيصنع الخبز،و سائق الحافلة سيتوقف عند كل محطة ،و السياسي سيخترع كذبة جديدة تليق باليوم الجديد.
في النهاية ،سيستمر دوران الأرض و لا أحد سوف يهتم حقا بكتابات الليل ،او حتى بكتابات النهار .
لا احد يهتم أبدا.