لا أسمع، لا أرى …
عثمان ناجي /كرونو نيوز
تصطف مساكن فسيحة و عريضة جنبا إلى جنب،لا يفرق بينها سوى اختلاف نباتاتها و اشجارها.هي بنايات غاية في الجمال، تحتفظ في مدخلها بممرات عريضة من العشب الأخضر، المشذب بعناية، تبعدها عن سواد الاسفلت.
فالسواد فأل سيء.
من يقطن داخل هذه الفيلات الضخمة يعيش حياة وردية،كما يحلوا للفرنسيين أن يصفوها.
رغم تخمة القراء من وصف البساتين و الحدائق،منذ أيام المدرسة الابتدائية و تمرين الإنشاء الإجباري،اضيف تفاصيل لا بد منها:هنا ،تزقزق العصافير بسعادة،و ينشر الورد اريجا معطرا في الهواء.
لا شيء يعكر سكينة المكان.تنفتح أبواب الكراجات الكهربائية لتلفظ سيارات باهظة الثمن تغادر الجنان الصغيرة نحو الخارج.
هكذا تبدوا أحياء الرياض و السويسي في العاصمة الرباط.تحتل مبانيها الكبيرة و الأنيقة،جزءا شاسعا من جنوب العاصمة.
سكان هذه الأحياء دون ملامح محددة،يعيشون في الظل و يمارسون نمط حياة مريح تختلط فيه فرنسية الطبقة المخملية،بدارجة من بقايا سنين عجاف سابقة،أو أداة ضرورية للتعامل مع باقي خلق الله الكادحين.
ما إن تغادر نحو حي المعاضيد و دوار الحاجة حتى يتغير الديكور.
ازقة ضيقة ليست لها اسماء،فقط أرقام ،اشهرها الزنقة 78.فهي الوحيدة التي تكفي بالكاد لمرور السيارات.يتكدس داخل المنازل العمودية عائلات متعددة الأفراد،مساحة الشقق لا تتعدى في أحسن الأحوال خمسين مترا مربعا.
بالنهار،يعوض صفير طناجر الضغط، زقزقة العصافير و خرير المياه.بالليل،صيحات السكارى و المخدرين و المقهورين تملأ الفضاء بالكلام البذيء و السب و التهديد.
يقف شباب عاطل عن العمل،فقير و دون مؤهلات على طول الأزقة مثل الشجر.لا يغادر المكان إلا إلى اقرب متجر كبير يبيع الخمور،ليتدبر أمر زجاجة نبيذ أو اثنين يسهر بهما رفقة خلانه.
بينما تستضيف الأحياء الراقية جالية أجنبية متنوعة،اوربية و أمريكية و إفريقية راقية،تكتفي تجمعات المعاضيد و دوار الدوم و دوار الحاجة بالمهاجرين الأفارقة المفلسين الذين يكترون مكانا للنوم وسط البؤس و الفقر و يخرجون كل الصباح حاملين مكنسة و كيسا صغيرا في إنتظار فرصة عمل بدراهم قليلة.
لا تضيع وقتك في قراءة كتب كارل ماركس و ماكس فيبر و محمد الجابري:جولتك بين عالمين يشكلان رأس الهرم و النخبة و القاعدة العريضة من الفقراء و الحرافيش و دراسة طرق تعايشهما في حذر و صمت،تجعلك خبيرا في علم الاجتماع و علم التعمير،و حتى في علم صناعة الماحيا و بيع السجائر بالتقسيط و تربية كلاب شيواوا.
يتأرجح مواطنون كثيرون بين رفاهية الرياض و بؤس المعاضيد،داخل أحياء أخرى بمدينة الأنوار و في العمارات و الشقق المكرية، و كذلك بطول و عرض الوطن.
انهم الطبقة الوسطى.
من يظن أن الحل هو تفقير الطبقة الوسطى بالمزيد من الضرائب و المزيد من الغلاء،و القضاء على فرص الترقي الإجتماعي،بحجة التضامن و العدالة الإجتماعية،فهو إما فاقد للبصر و لا يرى أين تتكدس الثروة،او جبان يختار أن يواجه الحلقة الاضعف،خوفا من إزعاج زقزقة الطيور بسعادة وتعكير أريج الورد المعطر في الدوائر المحمية.
“والحزب، إذ يلح على مطلب العدالة الاجتماعية، فإنه يعتبر التفاوتات المبنية على اختلاف الجهود المبذولة
أو الاستحقاق طبيعية ولا تندرج بالضرورة ضمن الاختلالات التي توجه إليها إجراءات البرنامج إلا في الحالة التي تتعدى فيه هذه التفاوتات الحدود المعقولة وتصير مهددة للسلم الاجتماعي.”
من برنامج العدالة و التنمية ،07 اكتوبر 2016.
يبقى الحال على ما هو عليه،و تستمر الهجمة الشرسة على المكاسب الاجتماعية.
لازالت إحتجاجات الطبقة العاملة تقابل بالتجاهل التام،فالحكومة مقتنعة أن الصمت حكمة،و لو على حساب الوطن .
كل إضراب و انتم بخير.