قراءة في إساءة الإعلام الجزائري لملك المغرب.
د. عادل بن الحبيب
المغرب دولة عريقة ضاربة في أعماق التاريخ، تعتبر من بين أعرق الدول وأعرق الملكيات في العالم. ساهمت إلى درجة كبيرة في الاشعاع الذي عاشته الأمة الإسلامية في حقبة الازدهار والرقي والتقدم. وكان له دور كبير في التواجد الإسلامي في الأندلس، وكان له الفضل في استمرار التواجد الإسلامي هناك إلى غاية سقوط غرناطة عام 1492.
في المقابل فإن الجزائر دولة صنيعة الاستعمار (كاللقيط الذي لا يعرف أصول وجذور عائلته)، لم تكن لها شخصية تاريخية ولم تكن قط مركزا حضاريا أو ثقافيا ولا تتميز بأي ميزة تتفرد بها عن دول الجوار. طوال التاريخ كانت الجزائر خاضعة لسيادة دول وامبراطوريات أخرى، فتارة كانت خاضعة للدولة المغربية وتارة للعثمانيين وتارة للفرنسيين، الذين يعود لهم الفضل في تسمية الدول الجزائرية وفي ترسيم الحدود الجغرافية التي تتمتع بها الآن. فقبل التواجد الفرنسي لم تكن هناك دولة اسمها الجزائر ويعود الفضل في بناء هذه الدولة إلى فرنسا.
فهذا الفرق الشاسع بين تاريخ وعراقة ورقي البلدين يعتبر من بين أهم الأسباب النفسية التي تفسر هذا السلوك الخبيث والشاذ للجزائر تجاه المغرب على الرغم من كل ما قام به هذا الأخير إبان حرب التحرير الجزائرية والتضحيات التي قدمها من أجل مساعدة الجزائر للحصول على استقلالها. لاكن أول شيء قامت بعد حصولها على الاستقلال هو عض اليد التي امتدت لها والطعن في ظهر الدولة التي ساعدتها على الحصول على استقلالها.
بسبب عقده قادتها تجاه المغرب، فقد حاولت الجزائر منذ حصولها على الاستقلال فرض نفسها كالقوة المهيمنة في شمال افريقيا ومنذ ذلك الحين دخلت في سباق ضد المغرب من أجل تأكيد حظوتها وجدارتها في لعب دول الدولة المهيمنة على المنطقة. ويعتبر دعمها ودفاعها المستميت عن البوليساريو ووقوفها أماما محاولات المغرب الحفاظ على وحدته الترابية واسترجاع جزء من الأراضي المغتصبة إبان الحقبة الاستعمارية جزء من هذا المخطط. ومنذ ذلك الحين وهي تضحي بالغالي والنفيس وتحبك المكائد والدسائس ضد المغرب، إلا أن المغرب أبان عن معدنه الأصيل وعن مرونته وقدرته على التأقلم مع كل المتغيرات واستطاع أن يصمد لما يزيد عن أربعة عقود من الزمن. كما أن المغرب انتظر للوقت المناسب من أجل توجيه الضربة القاضية للجزائر والقضاء على مخططاتها الرامية لإضعافه وزعزعة استقراره..
الجزائر تخسر الكثير من الثروات الطائلة لأجل جبهة البوليساريو على حساب الجزائريين، أكثر من 40 سنة من السفه والمراهقة الدبلوماسية في الإنفاق على البوليساريو بعنجهية ( فتح مكاتب للبوليساريو في الخارج ، ودفع مصاريف العاملين بها وتمويل رحلاتهم عبر العالم ،وكذا تمويل حفلاتهم في الخارج والداخل ، شراء سيارات فخمة لعصابة البوليساريو ، فتح أنبوب البنزين الجزائري مجانا للبوليساريو ، دفع أجور كل من يسمي نفسه موظفا في مخيمات تندوف أو جيش مخيمات تندوف أو الموظفين في الخارج سواء في القنصليات أو السفارات التابعة للبوليساريو وكذلك لجواسيس البوليساريو في الداخل والخارج، وللسائقين والخدم والحشم ومصاريف السهرات والندوات وغيرها من الأنشطة التي يكذب فيها البوليساريو والجزائريون على الناس وينشرون الأكاذيب والضلالات في الخارج و الداخل)، إذن الهجــوم على المغرب إنما سببه تبخر الأهداف الاستراتيجية من وراء دعم الجزائر لعصابة البوليساريو .
لقد استطاع ملك المغرب بحكمته وذكائه هو ومن يحيط به من المستشارين الشباب أن يجد لكم – أنتم ياحكام الجزائر – وجد لكم حلا ليس فيه لا غالب ولا مغلوب ، سيمكن سكان الصحراء الحقيقيين أن يُسَيِّرُوا أمورهم بأنفسهم وفيما بينهم في اطار الحكم الذاتي ، حل سلمي واقعي سيجعل المنطقة تعرف ازدهار و رفاهية و تقدم ، المغرب قدم مجموعة من المبادرات والاقتراحات للتعاون مع الجزائر خلال السنوات الماضية ومنها اقتراح فتح الحدود و الحكم الذاتي و غيرها…
لاكن للأسف حكام وجنرالات الجزائر لا شغل لهم سوى تدبير المؤامرات لأقرب الناس إليهم ، فمن خرَّب الجزائر ودمرها ؟ أليست سياسة القحط الفكري الذي اختارها حكامكم، سياسة التغليط والتضبيع والنفخ في الأنانية المريضة حتى أصبحت الجزائر أضحوكة العالم ، سخرتم حكامكم و جنرالاتكم و برلمانكم و أموالكم و مساجدكم و صحافتكم للنيل من المغرب ملكا و شعبا و كان آخرها التهكم على ملك المغرب دون أي رادع أخلاقي أو مهني يصدها على اختلاق سيناريوهات تافهة لمسرحيات رديئة الإخراج . كل همكم تصدير أزماتكم الاقتصادية و الاجتماعية للمغرب، خاصة بعد الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب باعتراف الولايات المتحدة الامريكية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، وفتح أزيد من 15 قنصلية بالصحراء.
النظام العسكري الجزائري يقوم بتجييش وسائل الإعلام المحلية، الفضائية والمكتوبة والإلكترونية، ضد المغرب، لإبراز العداء الدفين الذي تكنه المؤسسة العسكرية للمغرب بعدما حقق انتصارات دبلوماسية في قضية الصحراء، وتمكن من قلب الموازين وتكبيد الدبلوماسية الجزائرية خسائر متتالية بعد تزايد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وسحب العديد من الدول اعترافها بجبهة البوليساريو.
يبدو أن القيادة العسكرية الجزائرية لم تبتلع بعد الانتصار الكاسح الذي حققته القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، بعملية عسكرية سلمية مكنت من طرد الميليشيات الانفصالية وإعادة الحركة التجارية في المعبر الحدودي “الكركرات” مع موريتانيا، الشيء الذي شكل صدمة كبيرة لجنرالات قصر “مرداية”.