مقالات الرأي

قصتي مع المسيحية والمسيحيين (ج1)

عبد النبي الشراط

في بداية ثمانينيات القرن الماضي وما قبلها بكثير، كنت أعيش صراعا فكريا داخليا، وكان صراعي مع نفسي عنيفا جدا.. كنت حديث العهد بتعرفي على الجماعات الإسلامية، وكنت أحاول أن أكون حاضرا مع جميع التيارات الإسلامية الموجودة في المغرب ٱنذاك، كما كنت قررت من تلقاء نفسي أن لا انتمي رسميا لأي تيار ..

كان هدفي فقط، هو البحث عن الحقيقة، فلم أكن حينىذ قد حضيت بتعليم جيد، كل ما في الأمر أنني كنت أحفظ القرٱن الكريم وبعض المتون الدينية والفقهية، (ابن عاشر، والأجرومية، وجزء يسير من ألفية ابن مالك) بالإضافة لما نسميه في أدبياتنا القرٱنية ب (النصوص القرٱنية).

حينما أنهيت دراستي بمعهد مولاي عبد الله الشريف بمدينة وزان الديني كان عمري لا يتحاوز الستة عشرة سنة، وبالتالي كانت المهنة الوحيدة المتاحة لي قانونا هي ممارسة (العدالة) أي مهنة العدول أو (المأذون) بلغة إخواننا الشرقيين، لكن سني لم يكن يسمح بذلك..

وبدأت متاعبي مع العائلة.. لا أحد يمكنه أن يقبل بي عاطلا وعالة عليه، بالتالي كنت مجبرا على مغادرة البلدة/ مسقط رأسي والعمل في أي شيء.. أي شيء.. وحصل أن عملت في (أي شيء).

كنت متدينا بالفطرة، وملتزما بأداء الصلوات فأنا تعودت على هذا منذ كنت طفلا صغيرا لا يعرف حتى معنى الصلاة، وبحكم تكويني الديني الجيد فأنا لم أكن اجد مشكلا في التواصل مع الناس، حتى أولئك الذين كنت أشتغل عندهم في (أي شيء) كانوا يحترمونني بمجرد أن يعلموا أنني من حفظة القرٱن الكريم، فكانوا لا يحاسبونني على الأشغال التي اقوم بها بل كانوا يعفونني من العمل أحيانا ويدفعون لي أجرا..

بينما كان بعض العمال والعاملات تحديدا يقومون بالعمل الذي من المفترض أن اقوم بإنجازه، فالحافظ للقرٱن في ذاك الزمن في المغرب كان له اعتباره وحرمته ووقاره وبالتالي فقد استفدت من هذا الاعتبار الديني كثيرا..في المدن المختلفة التي تشردت فيها (فاس والدار البيضاء) تحديدا..

كنت لا أجد صعوبة في العيش وكنت بسرعة أكسب اصدقاء خاصة غير المتعلمين الذين كانوا يستنجدون بي من أجل كتابة الرسائل لعائلاتهم وقراءة ما يصلهم من عائلاتهم أيضا، بالإضافة لاتخاذهم لي كمرجع ديني بالنسبة لهم.في هذا الخضم بدأت اتعرف على الجماعات الإسلامية، لأكتشف عبر رجالاتها أن هناك دينا جديدا غير الدين الذي تعلمته وورثته في البادية عن ٱبائي وشيوخي..

هناك دين جديد قائم على التكفير والزندقة والحرام فقط.. فالذي لا يقص شاربه ولا يعفي لحيته إنما هو رجل يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيحشر في النار مع اليهود والنصارى والمشركين والكفار وإن صلى وصام وقام بكل فرائض الدين، لأنه خالف منهاج الرسول والسلف الصالح فحلق لحيته..

دين يحرم المصافحة بين المرأة والرجل، وأنا تربيت في مجتمع بدوي لا يقر بهذا.. كما أن الاختلاط بين الذكور والإناث حرام يؤدي بدوره إلى جهنم وإن صليت وقمت بكل فرائض الدين وأنا عشت في مجتمع بدوي، المرأة ترافق الرجال إلى الأسواق والحقول وأماكن العمل المتوفرة ولم أسمع يوما أن هذا حرام! المهم أنت في كل دقيقة تسمع بنار جهنم وسعيرها وعذابها، أما الجنة فلم نكن نسمع عنها شيئا إلا نادرا..

بدأت أسمع أيضا أن الحكام الذين يحكموننا كفار لأنهم لا يطبقون شرع الله، (لا يقطعون يد السارق، ولا يرجمون الزناة ولا يحكمون بما أنزل الله) ولذلك فهم كافرون وظالمون وفاسقون.

ياإلهي أين كان هذا الدين، وكيف لوالدي الذي تخرج على يديه عشرات إن لم يكن المئات من حفظة القرٱن ويصلي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ويزيد عليها ثم يدخل النار لأنه يحلق لحيته؟ لقد تلخبط عقلي تماما..

زد على هذا كله أن جميع الناس الذين لا يتبعون هذا الدين الجديد كلهم كفار بل أكثر بقليل..أما المسيحيون (النصارى) واليهود فيستحيل عليهم دخول الجنة أبدا..

أما فئة الماركسيين والشيوعيين والاشتراكيين والعلمانيين فهم كفرة بلا تردد، ويحرم عليك أن تسلم عليهم أو تقف أو تجلس معهم وإن كانوا من اقاربك.. أما كتبهم وأفكارهم فمجرد قراءتها تقودك للنار..

كنت انتقل من تيار إلى تيار.. ولاحظت أن كل تيار إسلامي يكفر التيار الإسلامي الٱخر.. لكنهم جميعا متفقون على تطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله وتكفير الحكام، وعلى ذكر الحكام فإن كل جماعة تتهم الأخرى بالعمالة للنظام والتجسس الخ..

تساءلت يوما لماذا يمنعوننا من قراءة كتب اليسار واليمين ويحرمون علينا قراءة الإنجيل والتوراة ؟ فقط مسموح لنا نقرأ كتب حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي ومن على شاكلتهم، بالإضافة لكتيبات مختصرة لبعض الأحاديث مجزوءة من صحيح البخاري وصحيح مسلم ثم ظهر الألباني الذي (صحح هذه الأحاديث) ..

بداية اعتقدت أن الشيطان وسوس لي بهذا.. لكن هذا السؤال ظل يؤرقني.. لماذا لا أقرأ هذه الكتب لأكتشف أسرارها العجيبة؟ تجرأت يوما وقررت شراء المجلات اليسارية التي كانت ترد من لبنان ومصر وتجرأت أكثر فبدأت اقرأ الماركسية من أصلها (رأس المال) على سبيل المثال وبعض كتب ماوتسي تونغ ومهدي عامل إلخ..

وتوسعت دائرة قراءتي حتى أصبحت أقرأ كل شيء..وأخيرا قلت لماذا لا أقرأ الإنجيل والتوراة؟ – إلى الحلقة القادمة-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock