مقالات الرأي

صلع السياسة.

عثمان ناجي/ كرونو نيوز.

نصحتني مناضلة في الحزب يوما ما، حين كنت انتمي لحزب يدعي التغيير، أن أزع بعض الشعر على مقدمة رأسي، بعد أن لاحظت أن خصلات عديدة قد غادرت أعلى جمجمتي المستقبلية دون و داع، تاركة المكان لصلع خفيف لا زال يتمدد مثل استيطان عنصري مقيت.


في الحقيقة، استلهمت العبرة من الشعر الذي تركني فجأة، و غادرت الحزب أيضا و انتهيت من صداع رأس لا فائدة منه، سوى أن اكون أنا، و ما تبقى من شعري و صاحبة النصيحة و أعداد كبيرة من المناضلين قنطرة عبور نحو مقاعد البرلمان لكمشة من الانتهازيين.


طبعا،لم انفذ أبدا نصيحة المناضلة الجميلة،و فكرت عوض ذلك أن أزع شتلات ورد في حديقة منزلي تغنيني عن صورتي في المرأة،فالورد أجمل بكثير من البشر و الحجر و من السياسة و السياسيين و المناضلات و المناضلين.


ذكر المؤرخ اليوناني “هيرودوت” أن المصريين القدامى اهتموا بالعطور و بمظهر الشعر ،سواء للنساء أو للرجال،و قد تلاحظ وأنت تنظر لرسوماتهم القديمة أن معظم الرجال يحملون باروكات تزين مظهرهم.

فالشعر اذن من مقومات الجمال و من إمارات الهيبة و بحبوحة العيش.


يظن الكثيرون انه ليس من اللائق تماما أن يتجول شخص ما بصلعة بهية، لا شعر فيها، خصوصا أن إعادة الشعكاكة أصبح ممكنا بفضل تقدم فن التجميل.


أمر زرع الشعر أسهل بكثير إذا كنت برلمانيا،فقد شرح الوزير السابق و البرلماني اوزين عبر برنامج تلفزي أن الإخوة الأتراك أصروا على إعمار صلعة هذا البرلماني و الوزير السابق، مثلما شاركوا في إعمار غزة و زرع الفرقة بين الفلسطينيين تمهيدا لخلافة موعودة.


هكذا دخل هذا السياسي البرلمان و هو أصلع و استفاد من تجميل مجاني خلال زيارة رسمية لبلاد اردوغان.


و حتى لا ازيغ عن موضوعي، أعود بكم لقصة الشعر و علاقته الوطيدة بالسياسة و بالحياة.

غادرت إذن الحزب عملا بمقولة مغربية تحذر أيا كان من محاولة مشط أو تصفيف شعر شخص أقرع. فهي بلا شك محاولة دون جدوى و مضيعة للوقت.

أعرف أن ممثلي الشعب يستفيدون من القطار مجانا، و من هواتف مجانية و من غرف مجانية في فنادق العاصمة مقابل أن يقوموا بما انتخبوا من أجله من أعمال تصنع الديمقراطية، وتدافع عن الناخبين. وحتى حين وضعت الدولة حدا لاستفادتهم من تقاعد مشبوه، لم تستطع أن تمنعهم من تقاسم ما علق داخل صندوق أداء المعاشات من مال عام.


الآن صار بامكانهم أن يتمتعوا بشعر مجاني يعيد لهم النضارة و الشباب.


يطوف شباب و شبيبات الأحزاب هذه الأيام على الكتاب العامين استجداء للائحة الشباب. ينتظرون أن تفتح لهم الطريق نحو المقعد البرلماني و هم بكامل شعرهم. على الأقل، لن يحرجوا تركيا الشقيقة بصلعاتهم، فتضطر للتصدق عليهم ببعض الشعر مثل ما فعلت مع الوزير صاحب الكراطة.


في مقابل هذا الكرم البرلماني، يحس أغلب المواطنين أن الحكومة تحلق لهم دون ماء، كما تقول العبارة الشهيرة.فهي قد سنت قوانين تسمح للأسعار أن ترتفع متى شاءت، في حين أن الأجور قد أصابها الشلل منذ مقدم جماعة الحلاقين هته.


تمت أشياء أخطر بكثير من فقدان الشعر، وعلى رأسها فقدان الثقة في الأحزاب و في السياسة و إصابة الوطن بصلع مزمن تسقط معه آخر شعرة أمل كان يتشبث بها المتفاءلون.


في انتظار أن يخلصنا القدر أو الانتخابات ممن على بالكم، اعتنوا بانفسكم و بشعركم و فكروا جيدا قبل أن تختاروا الشمبوان الملائم و كذا أعضاء البرلمان المقبل الملائمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock