
المتدخل: ذ.محمد يحظيه الرابح
السيدات والسادة، الحضور الكريم، يسرّني أن أتناول معكم اليوم، في هذه المداخلة، أحد أهم المنعطفات التاريخية في مسار قضيتنا الوطنية: قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي اعتمد بشكل صريح ومباشر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
هذا القرار ليس لحظة معزولة، بل هو تتويج لمسار كامل من الدبلوماسية الملكية الممتدة على مدى ستة وعشرين سنة، ومسار من الإصلاحات الداخلية، والتنمية الميدانية، والتحالفات الدولية، والعمل الهادئ والمتزن. سأقسم مداخلتي إلى خمسة محاور رئيسية:

المحور الأول: السياق العام لقرار مجلس الأمن 2797
يوم الجمعة 29 أكتوبر 2025، صادق مجلس الأمن بأغلبية 11 صوتاً على القرار الأممي الجديد المتعلق بالصحراء المغربية. قرارٌ وصفه الجميع بالتاريخي، لأنه لأول مرة يجعل من مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد للحل، وينهي عملياً كل الخطابات المرتبطة بخيارات غير واقعية عفا عنها الزمن. هذا التطور يعكس:
1- تزايد الدعم الدولي للموقف المغربي الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، ألمانيا، بلجيكا، ودول عديدة أخرى
2- تراجع واضح في هامش المناورة الجزائرية داخل المجتمع الدولي؛
3- انتقال الأمم المتحدة من منطق “التسوية” إلى منطق “الحل السياسي الواقعي”. إنه تحول “من مرحلة المتابعة الحذرة إلى مرحلة الدعم الصريح”.
المحور الثاني: الدبلوماسية الملكية… من الدفاع إلى المبادرة

منذ سنة 1999، قاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده مساراً دبلوماسياً جديداً يقوم على مبادئ واضحة:
1- الثبات في المبدأ الدفاع عن المغربية الكاملة للصحراء باعتبارها حقيقة تاريخية وقانونية وسياسية؛
2- المرونة في الأسلوب العمل على إقناع الشركاء عبر الحوار لا المواجهة، واعتماد رؤية هادئة تراكم المكاسب سنة بعد أخرى؛
3- التأني الاستراتيجي وهو عنصر أساسي أشار إليه وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، حيث قال”ربما بدا للبعض أن الوقت يضيع، لكن الملك كان يهيئ الأرضية لتثمر في اللحظة المناسبة؛
4- من مخطط الاستفتاء إلى مبادرة الحكم الذاتي بين 1998 و2004 بدأت ملامح البديل، وفي 2007 تُقدَّم المبادرة رسمياً للأمم المتحدة. اليوم، ثلثا أعضاء الجمعية العامة يدعمونها، بعدما كانت بضعة دول فقط تؤيدها؛
5- التدخل الملكي المباشر في اللحظات الحاسمة خلال الخمسة أيام قبل التصويت على القرار 2797، تدخل الملك لضمان الأصوات التسعة اللازمة، قبل الوصول إلى 11 صوتاً.
المحور الثالث: التحولات الدولية والإقليمية
1- في الأمم المتحدة: قرار 2797 يحدد الحكم الذاتي كمرجعية وحيدة. يُنهي عملياً أي نقاش حول الاستفتاء. يعترف بالدور الريادي للمغرب داخل المجلس
2- في أوروبا: في ظرف أربع سنوات فقط (2021–2025): إسبانيا تراجع موقفها جذرياً وتصف الحكم الذاتي بأنه “الأساس الأكثر جدية وواقعية”. ألمانيا تغير موقفها ابتداء من 2021. فرنسا تؤكد موقفها خلال زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب سنة 2024. بريطانيا تعلن دعمها سنة 2025؛
3- في الولايات المتحدة: الاعتراف الأمريكي سنة 2021 لم يكن حدثاً عابراً، بل خياراً استراتيجياً. إدارة بايدن لم تتراجع عنه رغم تغير الإدارة، لأن القرار كان مؤسساً على ثقة استراتيجية في الملك وفي المسار المغربي؛
4- في إفريقيا: منذ العودة التاريخية إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017: دول عديدة كانت تعترف بالكيان الوهمي غيرت مواقفها: إثيوبيا، تنزانيا، نيجيريا، زامبيا، غانا، جنوب السودان. أصبح المغرب اليوم فاعلاً محورياً في مشاريع التنمية والبنى التحتية والطاقة داخل القارة. 5. تراجع الجزائر الدبلوماسي السبب في ذلك:
– اعتماد خطاب قديم يعود لزمن الحرب الباردة؛
– الانغلاق الإقليمي؛
– غياب بدائل تنموية حقيقية؛
– التورط المباشر في دعم تنظيم انفصالي مسلح؛
– فقدان التأثير داخل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
المحور الرابع: نموذج التنمية في الأقاليم الجنوبية
أحد أقوى عناصر الشرعية المغربية هو النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية؛ مشاريع بنى تحتية كبرى الموانئ، الطرق، الطاقات المتجددة. مشاريع اجتماعية وحقوقية واقتصادية جعلت من الأقاليم الجنوبية جهات رائدة على المستوى الوطني. هذه التنمية تحولت إلى رأسمال سياسي يدعم شرعية الحكم الذاتي. ولهذا جاء في الخطابات الملكية: “الصحراء المغربية حقيقة ثابتة لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية وباعتراف دولي واسع.
المحور الخامس: الإجماع الوطني المغربي بعد صدور القرار الأممي، عبرت جميع الأحزاب المغربية من الأغلبية والمعارضة عن ارتياح كبير واعتزاز وطني مشترك: حزب التجمع الوطني للأحرار وصف القرار بأنه ترسيخ للمشروعية المغربية. حزب الأصالة والمعاصرة اعتبره انتقالاً من “مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير”. حزب الاستقلال أكد أنه تحول تاريخي يكرس الوحدة الترابية. حزب التقدم والاشتراكية اعتبر القرار “انتصاراً للحقائق التاريخية والمشروعية”. هذا الإجماع الوطني يعكس: وحدة الصف الداخلي قوة المؤسسات الالتفاف الشعبي حول القضية الوطنية.
المحور الأخير: آفاق الحل… وحوار اليد الممدودة
الدبلوماسية المغربية ليست صدامية، كما أكد الوزير بوريطة:”لدينا مقاربة الوضوح، لا الصراع” أما بخصوص الجزائر، فقد جاء الموقف المغربي واضحاً: لا حاجة لوساطة بين بلدين جارين. الحوار المباشر هو الحل إذا توفرت الإرادة السياسية. مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية أقرب اليوم من أي وقت مضى، بفضل التحولات الدولية. كما دعا الملك إخواننا في تندوف“لاغتنام هذه الفرصة التاريخية للعودة إلى وطنهم والمساهمة في تنمية أقاليمهم تحت إطار الحكم الذاتي…”.
الخلاصة لقد تحولت قضية الصحراء من ملف نزاع إلى نموذج للريادة الاستراتيجية المغربية. اليوم، نحن أمام لحظة تاريخية تؤرخ لمرحلة جديدة: مرحلة الشرعية الدولية مرحلة التنمية والازدهار مرحلة الحلول الواقعية مرحلة ترسيخ السيادة النهائية للمملكة على كامل أراضيها وهي لحظة لم تأتِ صدفة، بل هي نتيجة 26 سنة من العمل الدبلوماسي الهادئ رؤية ملكية متبصرة قوة داخلية ومؤسساتية دعم دولي متنامٍ وحكمة في إدارة العلاقات الإقليمية والدولية الصحراء في مغربها… والمغرب في صحرائه.
شكراً لكم على حسن الإصغاء.



