حلم لم يمت
عثمان ناجي.
لم يكن يوم عشرين فبراير سوى حلما عابرا. أو ربما مجرد سراب في صحراء قاحلة.
في السنة الموالية لوقوع أحداثه الشهيرة، احتفل به من اعتبروا أنفسهم أصحابه الشرعيون، و هم كثر.
ظهرت الرايات السوداء التي تحمل رقم عشرين و اسم شهر فبراير.
من رسائل القدر المبهمة، أن هذا الشهر بالذات يشكوا من قصر القامة، فلا يبلغ أبدا الثلاثين أو اكثر مثل أقرانه.
تغير الدستور و حلت الإنتخابات، وحل بنا بنكيران، كما يحل الطاعون ببلد ما.
عارضه الفبرايريون الذين اجتمع فيهم أقصى اليسار، مع جماعة دينية يؤمن افرادها أن أحد قادتها كان يملك قدرات خارقة، مثل مكي الصخيرات المغربي، أو سوبرمان الأمريكي، وهي العدل و الإحسان.
في أصل عشرين فبراير، أحداث متوالية شهدتها تونس ،ثم مصر و لا حقا سوريا، هي التي حركت الشارع لينزل مطالبا مرة واحدة بالديمقراطية والمساواة وطرد الفاسدين والحرية و أشياء معقولة أخرى.
عشرين فبراير تلو عشرين فبراير، ولم ينل من نزل للشارع و من لم ينزل يومها أيا من تلك المطالب.
فقد تنازل بنكيران في أول محطة عن نصف ما أعطاه الدستور من صلاحيات، وصرح أنه ليس سوى خادما لدى الدولة. ثم ظهر جليا أن الرجل وأصحابه وحلفاءه ومنهم الشيوعيون السابقون، قد جاؤوا ليفككوا ما نالته الطبقة العاملة و الموظفون في عهود سابقة.
في بلاد منشأ الحركة، خربت الإنتفاضات الشعبية النظام الإجتماعي و سمحت بعودة ديكتاتوريات أكثر شراسة من سابقاتها، هكذا تحولت مصر من مبارك للإخوان، ومن الإخوان للعسكر، بعد أن مات من مات تحت حوافر الخيل و الجمال، أو رميا بالرصاص الحي، وبالمرض و الجوع و التعذيب في سجون الحاكمين…
لازالت ليبيا تفاوض نفسها، وتجتمع لتتفق وتختلف في أن واحد في حالة من الفوضى و الفقر غير مسبوقين.
أما سوريا، فقد انهارت تماما بعد أن تكالب عليها ابناءها، أصدقاءها و أعدائها بنية واحدة: شطب اسم البلد من الخريطة.
كان اذن سما و حنظلا و ليس ربيعا.
يتبجج بنكيران أمام أتباعه في كل مرة أنه وزمرته قد انقذوا البلد.
ما يجمع الربيع وعشرين فبراير خيط رابط رفيع يرى بالعين المجردة: ثار الشباب من أجل وطن أفضل ، وانتهى المطاف بتسليم رقبة نفس الوطن للإسلاميين.
رغم أن الخدعة فشلت في سوريا لأن النظام الحاكم واجه المتسللين بالنار و الحديد. وفشلت أيضا في مصر، حيث راكم الإسلاميون الأخطاء بسرعة مذهلة، لينقض عليهم الجيش وينهي حكما قصيرا.
تونس تراوغ وتقاوم، وقد تنجح في الخروج من النفق.
ذهب بنكيران و جاء العثماني،ثم كورونا.
انقذتنا من ماذا ا سي بنكيران؟
نعم، عشرون فبراير كان حلما، ومن حقنا جميعا أن نحلم.
ربما نحتاج أيضا أن نفكر جيدا في المرة القادمة، وقد نضطر لاختيار شهر كامل الأيام لطرد لعنة الأشياء التي ظلت ناقصة دائما مهما فعلنا.
في انتظار القادم أقول لكم : عشرين فبراير لازال حقا حلما جميلا.