سياسة

جدل القاسم الانتخابي

د. عادل بن الحبيب/كرونو نيوز.

أثار مقترح مراجعة كيفية احتساب “القاسم الانتخابي”، الذي على أساسه يتم توزيع المقاعد البرلمانية بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات، جدلا واسعا ونقاشا حادا في المغرب، جعل العديد يستفسر حول ماهيته وتأثيره في رسم الخريطة السياسية بالمغرب .

فلا حديث اليوم في مقرات الاحزاب السياسية المغربية،سوى عن نمط الاقتراع والقاسم الانتخابي، وكيفية اقتسام اصوات الناخبين.

“القاسم الانتخابي” هو القاسم المعتمد في احتساب المقاعد بعد احصاء أصوات كل حزب و الأصوات الملغاة و غير المصوتين و كذلك احتساب العتبة واستبعاد الاحزاب التي لم تحصل عليها.

فمنذ اعتماد نظام اللائحة يتم توزيع المقاعد بناء على القاسم الانتخابي الذي يحتسب من الأصوات الصحيحة المعبر عنها. و الآن هناك مطالبة باحتسابه بناء على أصوات المسجلين ولو لم يصوتوا.

مثلا دائرة انتخابية بها أربعة مقاعد، و 150 ألفا من الناخبين المسجلين، يوم الاقتراع حصلنا على 70 ألفا من الأصوات الصحيحة، فإن احتساب القاسم الانتخابي بناء على عدد الأصوات الصحيحة يعني أن نقسم 70 ألفا على 4 وسيكون الحاصل17 ألفا و500 ( هذا هو المعامل الانتخابي الذي سيتم على اثره تحديد عدد المقاعد).

أما إذا تم احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، وفق المقترح الجديد لاغلبية الأحزاب السياسية، فإنه سيتم تقسيم 150 ألفا على 4، وهنا سيكون القاسم هو 37 ألفا و500.

إذن، احتساب القاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة سيمكن الحزب الذي حصل على أصوات كثيرة من حصد أكثر من مقعد في دائرة واحدة وذلك باعتماد قاعدة “أكبر بقية”.

في المقابل، إذا تم احتساب القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين، فإن أغلب الأحزاب ستحصل على مقعد واحد فقط لكل منها.

في حال تطبيق “القاسم الجديد” لن يكون هناك فرق بين حزب حصل على 69.278 صوتا وحزب حصل على 25.948 وحزب حصل على 10.637 وحزب حصل على 6.525 وحزب حصل على 2.668، و تقسم المقاعد، في هذا المثال الحقيقي، بالتساوي بين كل هذه الأحزاب بتخصيص مقعد لكل واحد منها، بغض النظر عن هذه الأصوات التي حصل عليها كل حزب.

النقاش السياسي والدستوري والقانوني بين النخب الحزبية حول القاسم الانتخابي و نمط الاقتراع الذي يجب تبني خلال الانتخابات المقبلة رفضه قياديين عن حزب العدالة و التنمية معتبرين أن المستهدف من النقاشات حوله هو “البجيدي” و أن اعتماده على أساس احتساب عدد المسجلين لامبرر له و غير دستوري.

وإذا تم اعتماد القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس على عدد المصوتين، نظريا، سيفقد العدالة والتنمية، عمليا 40 مقعدا، (26 مقعدا محليا و14 في اللوائح الوطنية)، وسيكون الخاسر الأكبر في هذه العملية، كما سيخسر الأصالة والمعاصرة 25 مقعدا.

و اعتبر إدريس الأزمي الإدريسي القاسم الانتخابي “الجديد” تكريسا للعزوف عوض تشجيع المشاركة والهدف منه بطبيعة الحال هو تضخيم وتكبير القاسم الانتخابي لبلوغ نتيجة واحدة وهي تقسيم المقاعد بمنطق مقعد لكل حزب من الأحزاب الأولى على حساب صوت المواطن والإرادة الشعبية والاختيار الديمقراطي والمرتكزات الدستورية.

وكان الوزير السابق نجيب بوليف، قد رفض القاسم الانتخابي الجديد ، من خلال منشور وضعه على جداره الفايسبوكي، يقول من خلاله أنه مع اقتراح توزيع المقاعد الانتخابية حسب القاسم الانتخابي المرتبط بعدد الاصوات، وليس القاسم الانتخابي بعدد المسجلين.

وكتب بوليف في تدوينة بعنوان “الديمقراطية المستقبلية بالمغرب”: “من حصل على أكثر من 60000 صوت، يحصل على مقعد واحد، مثله مثل الذي حصل على 2668 صوتا.. ما رأيكم؟ هل هناك إبداع في الديمقراطية أفضل من هذا؟ يطلبون منا أن نقبل هذا، وإلا فنحن ضد التوافق…. ما جدوى الانتخابات إذن؟ هذه بداية لما سيأتي لاحقا… والتعامل معه سيكون بما يلزم”.

واكد بوانو، أن المستهدف من النقاش حول القاسم الانتخابي هو حزب العدالة والتنمية بدون لف ولا دوران، مؤكدا أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس احتساب عدد المسجلين لا مبرر له لأنه غير دستوري.


أمينة ماء العينين أكدت هي الأخرى أنها ضد اعتماد قاسم انتخابي يحتسب بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، لأن النتائج لن تكون دالة ولن تفرز تمثيلية بناء على إرادة المصوتين كيفما كانت اختياراتهم.

واعتبر محمد كرم القاسم الانتخابي الجديد مهزلة
الانتخابات المقبلة واضعا مجموعة من التساؤلات :
هل سيبقى للعملية الانتخابية برمتها أي معنى ؟
وهل ستبقى لأصوات الناخبين اي قيمة؟
وهل ستبقى للفائزين بالمقاعد المنبثقة عن هذه الانتخابات أية وجاهة ؟
وهل هكذا سنساهم في استرجاع الثقة في الاستحقاقات الانتخابية كمدخل من مداخل التعبير عن الإرادة الحرة للمواطنين؟
وهل هكذا سنسعى لتوسيع المشاركة السياسية لدى المواطنين العازفين عن الانتخابات؟
وهل هكذا سنقنع الشباب الذين اكتسبوا حديثا الحق في الترشح والانتخاب بالالتحاق بالعمل السياسي انخراطا في الأحزاب أو مشاركة في الانتخابات؟
وهل هكذا سنعمل على تعزيز الخيار الديمقراطي كأحد الثوابت الدستورية لبلادنا ؟.

عوض لغة التهديد كان بالأحرى على صقور البيجيدي الذين يطلقون الآن خطابا تحكميا أن يطالبوا بإحالة موضوع الخلاف القانوني و المنهجي حول طريقة احتساب الأصوات على البرلمان ومؤسساته لتبث فيه بشكل ديمقراطي و بإرادة دستورية تلزم الجميع.


الخلاف بين المكونات السياسية المشاركة في المشاورات الانتخابية ينبغي في النهاية أن يتم الحسم فيه من طرف المؤسسة التشريعية ، قيادات العدالة و التنمية يصرون على إخراج الجدال الدائر حول النصوص المؤطرة للاستحقاقات التشريعية المقبلة من داخل المؤسسات الدستورية و تحويله الى نقاش سياسي شعبي يصور الحزب الحاكم و كأنه ضحية مناورات او مؤامرات تستهدف رصيده الانتخابي.

تطويع النقاش الديمقراطي و التجادب السياسي في اتجاه وحيد يخدم أجندة البيجيدي الانتخابية هو سلوك لا يمت بصلة لاعراف الأخلاق الديمقراطية الناضجة و المسؤولة.


إن السلوك الديمقراطي لا يحتمل التجزيء و الاحتواء المناسباتي و الظرفي، و على هذا الأساس تخضع التيارات والتجمعات الحزبية لحكم الاغلبية دون تعصب للرأي و لي لذراع العمل المؤسساتي المؤطر بالدستور و القوانين المتعارف عليها.

و في معرض جوابه على سؤال حول موقف العدالة و التنمية الرافض للقاسم الانتخابي على قاعدة عدد المسجلين، اكد إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، أن مقاربة موضوع القاسم الانتخابي خارج دائرة المشاورات الجارية مع الاحزاب السياسية المغربية، هو نهج لا اخلاقي يسعى بشكل استباقي الى خلق فزاعة تحاول ضرب اختيارات المغرب للتنوع و التعددية.

وتابع لشكر حديثه، بان موقف العدالة و التنمية ، يسعى كذلك إلى فرض رأي معزول، في تنافي تام مع التوجه الديمقراطي الذي يجب ان يشمل هذه العملية، خاصة و أن المشاورات لا زالت مستمرة بين مختلف الفرقاء.


وأضاف الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي، أن خطاب المظلومية الذي يتبناه العدالة والتنمية، لا يستند على أي اساس ديمقراطي، خاصة أن جل الأحزاب المغربية اليوم تؤيد هذا الاجراء التنظيمي والاصلاحي للعملية الانتخابية.


و أكد لشكر ، أن التوجه نحو اعتماد القاسم الانتخابي على عدد المسجلين، هو تصحيح وضعية الاختلال التي كرسها النظام السابق، الذي لم يعكس تمثيلية الاختيارات الحقيقية للشعب المغربي. لهذا اقترح على لفتيت تغيير عملية توزيع المقاعد على أساس عدد الناخبين المسجلين.

حتى وإن قاطعت نسبة منهم التصويت، أو صوتت بطريقة غير سليمة، ما يجعلها في خانة الأصوات الملغاة، وسانده في مطلبه جل الاحزاب السياسية .


بالنسبة لحزب حزب الأصالة والمعاصرة فموضوع ”القاسم الانتخابي”،ظل موضوع خلاف و نقاش داخل الحزب ،حيث تمسك البعض بضرورة تغيير عملية احتسابه على أساس عدد المسجلين، بينما تمسك آخرون، داخل الحزب، بعدم تغيير النمط القائم حاليا، بالإبقاء على احتساب القاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة .


القرار كما أكد عبد اللطيف وهبي سيكون بيد المكتب السياسي للحزب، الذي سيتخذ ، القرار المناسب في الوقت المناسب، وذلك بإشراك أعضاء المجلس الوطني، وسينهي تفاصليه إلى علم كافة المناضلين وإلى عموم الرأي العام.

إن هدر الزمن السياسي المغربي في أمور ثانوية ،وتصديرها للشارع السياسي للانشغال بها،يعتبر نوع من التقزيم في حق المغاربة والاستهتار بشؤون الوطن، المغاربة يرغبون في انتخابات ديمقراطية حقيقية بغض النظر عن “القاسم الانتخابي” المعتمد، تفرز نخب سياسية قادرة على ايجاد الاجابات الصحيحة على الاسئلة الحرجة للمرحلة المقبلة، وإبداع حلول وبرامج تنموية للأزمة الاقتصادية المغربية ،واصدار قرارات حاسمة تجاه العديد من القضايا الهيكلية، حكومة قادرة على ربح رهانات المرحلة المقبلة في ظل أزمة “كوفيد”، وما تتطلبه المرحلة المقبلة من يقظة وتعبئة شاملة، وانتفاضة حقيقية ضد تدني المعدلات الاقتصادية والتنموية المختلفة، وضد الارتفاع المهول في البطالة وعجز الميزان التجاري، بعيدا عن التطاحنات والمزايدات السياسية الفارغة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock