المغرب العميق… معاناة في صمت!

د. عادل بن الحبيب
شريط فيديو صادم جدا، ذلك الذي تناقلته صفحات عديدة عبر الفيسبوك، ظهر من خلاله طفل صغير من “المغرب المنسي”، يناشد قلوب المغاربة، من أجل مساعدته وباقي سكان منطقته، في الحصول على ملابس تقيهم شر وقساوة البرد القارس الذي اجتاح مناطق عديدة من المملكة، ضمنها قريته الصغيرة “آيت عباد”، بجبال بإقليم أزيلال.
“لا صحة، لا تعليم، لا طريق إنها العزلة التامة، ربما لا يعلم أحد بوجودنا” تقول إحدى ساكنات المغرب العميق والغصة تخنقها بينما تتحدث عن ظروف العيش القاسية في الدوار، الذي تقطن فيه والبعيد بكيلومترات في الجبال.
انه المغرب العميق ونقصد به كل المناطق المهمشة، كل المناطق التي تدخل في نطاق المغرب غير النافع. ليس بالضرورة أن يكون بعيدا ونائيا ومقصيا ومهمشا بل أينما وجد التهميش والإقصاء حتى في ضواحي المدن الكبيرة حيث مدن الصفيح والأزبال والتهميش والفقر والأمراض والإجرام…

هو مغرب آخر لا تصله العدسات والقنوات , يقطنه مغاربة بسطاء ، طيبون لا يريدون سوى طريق معبدة، ومستشفى ، ومدرسة و كهرباء ، وقطرات ماء تروي العطش… مطالب بسيطة لا زالت تطلب في الألفية الثالثة في عصر الثورة التكنولوجية .
مغاربة يطالبون بماء صالح للشرب لانهم يشربون من المطفيات وماء المطر، معاناتهم يومية مع مياه غير صالحة للشرب بسبب الثلوث و قلة المطر ، يؤدون المال لجلب الماء في “السيتيرنات” بعد أزيد من أسبوعين من الانتظار…
مغاربة يريدون كهرباء لأنهم يعيشون تحت وطأة الظلام الدامس والعيش على نور “اللامبات” والمصابيح الزيتية..! رغم أن أسلاك التوتر العالي للكهرباء تمر فوق دواويرهم.

مغاربة يعانون من غياب الخدمات الصحية ، وعليهم قطع كيلومترات في رحلة قاتلة ومتعبة ومكلفة ولا إنسانية إلى مدن بعيدة قد لا يصلوها. جل مايريدون مستشفى تعتني بهم حين يمرضون وسيارات إسعاف للطوارئ حين يفاجئ زوجاتهم المخاض وحين يمرض أطفالهم وحين يلسع أحدهم عقرب.
يحملون نسائهم حين يردن الولادة على ظهر الدابة في طرقات وعرة وظروف صعبة. حين يمرضون يوضعون على الدواب أو على ألواح ويربطون بالحبال ويلفون بالأغطية في شبه نعش أو محمل للأموات في اتجاه مستشفيات قد يصلوها او لا…

مغاربة يعانون من الهدر المدرسي و الانقطاع المبكر عن الدراسة خاصة بالنسبة للفتيات ومن حالة المدارس، ومن ظروف النقل باتجاه المدارس، ومن نقص الأطر التربوية وهشاشة البنية التحتية .
مغاربة يريدون طرقا معبدة يتنقلون عبرها، يعيشون العزلة التامة في عز البرد والثلج، ويعيشون الإهمال التام خلال فترة الفيضانات، أو في فترات الجفاف والتصحر…
مغاربة يموتون كل سنة بسم العقارب حيث لا يجدون الإسعافات المناسبة لمثل هذه الحالات، أليس عيبا ووصمة عار في جبين الحكومات المتعاقبة أن يموت مغاربة في القرن الحادي والعشرين بسبب لسعات العقارب..!
مغاربة ضاقوا ذرعا من فساد تدبير الشأن العام والمحلي، يعانون من الشطط ويشتكون من أمية رؤساء الجماعات، ويعانون العذاب مع منتخبين قابعين على رأس الجماعات دون فائدة تذكر على البلاد والعباد.
المغرب العميق موجود بالقرب منا وبقلب وضواحي المدن أيضا، حيث المنازل تهوي على رؤوس قاطنيها في المدن العتيقة، و مطارح النفايات على بعد أمتار من نوافذ وأبواب المنازل ، و حيث الحدائق تحولت إلى أماكن للأزبال و للسكارى ومرتعا للعب القمار وموطنا للسرقة والمشردين…
بالله عليكم..!
إلى متى ستظل أغلب القرى بدون طرق و مسالك ..!
إلى متى سيظل أغلب سكان هذه القرى يموتون عطشا..!
إلى متى ستظل اغلب القرى بدون كهرباء..!
إلى متى سيظل مغاربة المغرب العميق يموتون بسبب سم العقارب..!
إلى متى سيظل سكان المغرب العميق على موعد مع الموت كل فصل شتاء..!
الى متى ستظل الطرق و المسالك تغلق مع كل تساقط امطار ..!
إلى متى يعيش جزء كبير منهم الفقر المدقع ..!
إلى متى لا تلقى الشكايات من يقرأها ويجيب عنها..!
إلى متى لا يستقبل المسؤولون وهم مجرد موظفون في الدولة المواطنين في مكاتبهم..!
إلى متى سيظل سكان المغرب العميق يفتقدون الى الخدمات الأساسية من التغطية بالكهرباء وتطهير الماء الصالح للشرب، وتوفير فرص الشغل والبنيات الصحية والتعليمية والإدارية ..!
إلى متى ستظل تعيش مدن وقرى غنية الفقر بحذافره، مدن يضم ترابها كنوزا ومعادن و مقالع رملية وثروات غابوية و مياه معدنية وحامات طبيعية… لم تجن منها سوى الغبار والعجاج بسبب هيمنة اللوبيات.
بعيدا عن الموشحات والسمفونيات اليومية المبرمجة التي تتغنى بالديمقراطية والعدالة والشفافية والانجازات ودولة القانون والمؤسسات و ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما آن أوان إصلاح حقيقي ؟