التطبيع والقدس
محمد القاضي
أثار الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وسيادة الرباط على كامل التراب الوطني؛ جدلا واسعا في العديد من الأوساط السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية..منهم من ربط هذا الاعتراف بتطبيع العلاقات مع اسرائيل ومنهم من وصف العملية بالمقايضة وأثير الكثير من اللغو والتغليط والتحوير وغيرها .. وقد اكتسحت عدة هاشتاغات مواقع السوشميديا مثل “لا للتطبيع” ؛ “ضد التطبيع”؛ “فلسطين في الوجدان” وغيرها من الشعارات .
كل شخص – سواء كان ذاتيا او اعتباريا- حر في ان يعبر عن موافقه من القضية الفلسطينية ومن قضية القدس … وأنا أحترم كل المواقف المعبر عنها شريطة أن تكون نابعة من القناعات والايمان بالقضية…وفي مقابل ذلك احتقر كل المواقف المعادية للتطبيع والتي لا تكون نابعة من القناعات ؛ بل يتم تصريفها وتسويقها لأجل استغلالها لترقيع بكارات سياسية ليس إلا.
وتفاعلا مع تداعيات هذا الحدث التاريخي؛ يجب ان نميز بين تطبيع العلاقات وبين المواقف تجاه قضية القدس. قبل 1996 كنا نتحدث عن الصراع العربي الاسرائيلي ؛ لكن بعد ذلك تم اختزال هذا الصراع الى صراع فلسطيني اسرائيلي بتوقيع من الزعيم الراحل ياسر عرفات وبرعاية من الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون.
بمقتضى اتفاقية أسلو التي كانت تحمل شعار “غزة وأريحا اولا” المبرمة في سنة 1996 اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية OLP ،التي كانت تمثل حينها الشعب الفلسطيني ؛ بالدولة الإسرائيلية واعترفت بحدودها وطبّعت معها علاقات أمنية واقتصادية.
تركيا التي يقودها حزب العدالة والتنمية، يعلن رئيسها في كل مناسبة وغير مناسبة أنه مع القضية الفلسطينية قلبا وقالبا وأن بوصلة نضال أردوغان هي تحرير القدس والحيلولة دون تهويده، في الوقت الذي تبرم فيه الحكومة التركية مع تل ابيب اتفاقيات تعاون على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والسياحي وتبادل التمثيل الدبلوماسي.
باختصار شديد ؛ موضوع تطبيع العلاقات مع اسرائيل هو قرار سيادي تتخذه أعلى سلطة بالبلاد… وأي قرار تم اتخاذه سنؤيده .. نحن مع أي قرار يتخذه ولي أمرنا.
أما الجبهات التي ينبغي أن نناضل نحن في إطارها هي محاربة ومجابهة التطبيع مع الفساد والتطبيع مع المجرمين السياسيين ومواجهة التطبيع مع “عفا الله عما سلف”..ومواجهة التطبيع مع الاجرام السياسي الذي انتعش بشكل مخيف ببلادنا ويهدد أمننا واستقرارنا ومستقبل أبنائنا ووطننا …
كما أن الاجرام السياسي يهدد حقوق الإنسان بالردة والانتكاسة…
التاريخ أثبت لنا أن أغلب المواقف المعبر عنها، لا تعدو كونها فرقعات نفاقية ومخادعة… ويكفي أن نقارن بين مواقف قادة العدالة والتنمية قبل 2011 وبعدها ومواقف آخرين...