مشهد بانورامي لفاس العتيقة من البرج الجنوبي للمدينة.
الكاتب محمد القاضي
ما أروع أن تضع في مرمى بصرك مدينة فاس العتيقة وأن تتمعن بعمق في مبانيها وشكل هندستها … حيث تتراءى لك مباني ومآثر ورموز يعود عمرانها لمئات السنين؛ بعضها يجسد المساكن وبعضها يجسد روح الأجيال السابقة (عقيدة) وبعضها يجسد حقب تاريخية منفصلة في الزمان وثابتة في المكان …
وإذا أبحرت النظر ما وراء جدران المباني التي تتراءى في مرمى البصر ؛ لا بد وأن تتخيل أن خلف أسوار وجدران هذه المباني أحياء يتصارعون صراعا طبيعيا من أجل البقاء ؛ من أجل الحياة ؛ من أجل تحقيق الاحلام ؛ من أجل تنمية التجارة ؛ بعضهم يتصارع ( يتصارع معناها هنا الجد والجهد البدني والفكري) بحكمة وبجد وبشرف؛ وبعضهم يبحث عن اي طريقة للكسب بالنصب أو الغش أو التحايل أو المكر والخداع خصوصا في هذا الزمن الرديء الذي أصبح فيه الصادق والوفي يهان والرويبضات والماكرين يتسلقون بسرعة مفرطة ويفتون في أمر العامة للناس.
إذا تمعنت أكثر النظر في مرمى البصر ستتراءى لك بيوت فريدة من نوعها؛ بيضاء اللون؛ تضفي هندسة جميلة ورونقا رائعا على المشهد؛ ولكن تحت هذه البيوت البيضاء يرقد الآلاف من الأموات يجمعهم المكان وتفرقوا في الزمان عبر حقب زمنية مختلفة ومتباعدة. لا نعرف أي شيء عن حياتهم الابدية ؛ كل ما نعرف أنهم أصبحوا أمواتا ؛ وذات يوم سيصبح أحياء اليوم كلهم يرقدون جنبا إلى جنب تحت هذه البيوت البيضاء… ولن ينفعك لا مال ولا بنون ولا أرصدة بنكية ولا مقاهي فاخرة ولا ضيعات ولا فيلات ولا نفوذ ولا أي شيء…نسأل الله أن يغفر لنا ويهدي الجميع …وينصرنا على قوم الشيطان وأنصاره من الإنس… اللهم إني أتبرأ من أفعال الشيطان وجنود الشيطان وأبالسته…