مكناس مدينة الملوك لم تكن يوما “خربة” .
د. عادل بن الحبيب/كرونو نيوز
مصطلح” الخربة” ، يطلق على المدينة إذا صارت مكانا مُوحشا، مُهدمة البيوت، خالية من الحياة ، بإحداث خلل فيها، أو بإفساد انظمتها ، أو بإيجاد ضعف ووهن في جريان برنامجها . ومدينة مكناس لم تكن يوما كذلك.
لن أغوص في تاريخ مدينة مكناس العريق، لأن تاريخها لا يجهله إلا امي او جاهل، يكفي أنها كانت شغف مولاي اسماعيل و فخر امبراطوية المغرب، أسست في القرن الثامن سنة 711م و هي واحدة من المدن الإمبراطورية الأربعة في المغرب، وسادس أكبر مدينة في المملكة وكانت عاصمة للمغرب في عهد مولاي إسماعيل (1672-1727). وتم تسجيلها تراثا تاريخيا لليونسكو منذ عام 1996.فتاريخ وعراقة مدينة مكناس يلزمنا كتب و مجلدات لكي نلم به.
مدينة مكناس مدينة ولادة ، أنجبت رجالات في جميع المجالات ، قامات سياسية و رياضية و علمية و فنية و دينية، و كانت دائما مشتل للمبدعين .
مدينة مكناس التي تزخر بتاريخ عريق ،تحكي عنه أسوارها وأبراجها ومآثرها التاريخية التي ظلت شامخة شموخ جبال الأطلس، وجبال زرهون التي تحيط بها من كل ناحية. مكناس مدينة الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ العريق. لم تكن يوما خربة ، بل هي مدينة همشت بفعل فاعل و مفعول به.
مدينة أصبحت تعاني الإهمال وتتعايش مع التهميش و طمس تاريخها وحضارتها العريق وقيمها النبيلة الشامخة .
مدينة مكناس، الأم التي احتضنت الجميع (كل من هب و دب )، و أحبت الجميع ، و أعطت لكل من سكن أسوارها . الأم التي لم تبخل على أي من أبنائها ، للاسف اغلب أبنائها تنكروا لها، و عوض من أن يبادلوها الحب و العطاء، تنكروا لها. يوهمون الناس انهم يعملون لصالحها صباحا و يحيكون لها الدسائس ليلا . عوض ان يكون همهم الوحيد مصلحة مكناس. فضلوا مصالحهم الشخصية الضيقة على مصلحة المدينة .
مدينة مكناس شوهها الاهمال والنسيان، أتألم لمنظر شبابها يجر ذيول اليأس في الطرقات و الشوارع ، يكفي ان تقوم بجولة قصيرة بين أحياء هذه المدينة ودروبها المهملة حتى تقرر أن تعود أدراجك وتدعو على كل من أوصل المدينة الى ما وصلت اليه.
المكانسة يعيشون المرارة كل يوم، يطالبون بأبسط شروط العيش ولا يتمنون سوى التخلص من كل مظاهر الفوضى في التدبير ، والفقر والبؤس وغياب اهتمام المسؤولين الذي يعكسه حال الشوارع والطرقات المتصدعة، وانعدام التهيئة والإنارة في بعض الأحياء،وتصدع بعض الادارات، وكثـرة البرك العفنة والقمامة في كل ناحية وكأن المدينة ”خارج مجال التغطية”.
يتغير كل شيء، ولا تتغير مدينة مكناس التي تبقى ضحية لسياسة الإهمال والتهميش واللامبالاة المفروضة عليها رغم توفرها على مؤهلات طبيعية وسياحية مهمة، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، مكناس التي تعيش التهميش والنسيان والإقصاء من البرامج التنموية التي تشهدها المنطقة، بسبب تقاعس المنتخبين القائمين على تدبير الشأن المحلي داخل هذه المدينة المعزولة والمنسية التي لا يظهر فيها اغلب المنتخبون إلا إبان الحملات الانتخابية من اجل توزيع الوعود و الورود و الكلام المعسول.
سكان مدينة مكناس أعلنوا ما من مرة عن سخطهم وغضبهم اتجاه تدبير الشأن العام ،وضعف أداء المجالس المنتخبة التي لم تكن في مستوى تطلعات الساكنة. وعدم الاهتمام بمدينة تتوفر على جميع المقومات التي قد تجعلها من أفضل المدن المغربية، ونهج المسؤولين سياسة “اللامبالاة” في وجه المطالب البسيطة للسكان .
العيب فينا ليس في المدينة ،العيب في طريقة تدبير الشأن العام ، العيب في كل من لم يحمل هم هذه المدينة الجميلة ، العيب في كل من احتضنته و تنكر لها ،العيب في كل من خدم أجندات ضد مصلحتها.
و ستبقى مدينة مكناس مدينة الملوك بتاريخ عظيم ، مصدر فخر واعتزاز لكل مكناسي و مكناسية. مكناس تحتاج اليوم الى جميع أبنائها و بناتها ،مكناس في حاجة إلى نخبها السياسية المثقفة القادرة على تحمل المسؤولية و التي تكون في مستوى تطلعات الساكنة .