مقالات الرأي

حمام العنف

عثمان ناجي /كرونو نيوز

أخيرا فتحت الحكومة الحمامات العمومية،بعد أن اغلقت باب الحوار مع المحتجين على سياساتها القطاعية.


المواطنون يلجون الحمام بحثا عن الطهارة و الراحة،لا غير.رغم هذه النوايا السلمية و المقبولة يخضع المستحمون للحرارة الشديدة،حيث يتفنن أصحاب الحمام في اطعام النار لتجعل هواء الهواء و الماء يلفان المستحم و يجعلانه يتصبب عرقا،بينما يتخلص من الشوائب العالقة بجسده.


على الأقل،يتحمل الناس قسوة الحمام في قناعة تامة ان ما بعدها راحة و استمتاع.
دخول الحمام ليس مثل مغادرته.هكذا تقول الحكمة الشعبية.


دخول الحكومة أيضا ليس مثل ما قبلها،و لا مثل ما بعدها.فحزب العدالة و التنمية الذي طالما شاكس الدولة بجريدته و تصريحات زعماءه حول حق الاحتجاج و حق التظاهر،يبدوا أن مواقفه تغيرت بشكل جذري و هو يقود الحكومة منذ عشر سنوات.


حزب العدالة و التنمية يوجد الأن داخل الحمام،كما تقول العبارة الفرنسية.


بعد أن جاء و معه رزمة من المهام للانجاز،و على رأسها تحويل رجال التعليم الى عمال بعقدة مؤقتة،ها هو يواجه غضبا غير مسبوق ممن ظن انهم قبلوا بشروط توظيفهم المهينة.

كما العادة،فضل وزير القطاع أن يكون في جولة،في مكان بعيد عن العاصمة،بينما عهد للقوة العمومية أن تشرح أبعاد اقفال باب التوظيف الرسمي أمام حوالي مئة ألف من خريجي الجامعات، و الذين اختاروا مهنة التعليم.


من سوء حظ المتظاهرين السلميين،أن من تطوع لشرح سياسة الحكومة،لا يملك من أدوات الاقناع سوى العصي و لا يجيد سوى الدفع و الصفع و الضرب و السحل.


يشرح الوزير رؤيته الممتدة إلى نهاية العقد الحالي ابتسامته المعهودة،بينما يسيل دم الأساتذة و الاستاذات أمام البرلمان،و تسيل دموعهم بحرقة أمام تعامل الدولة الخشن و غير المقبول تماما.


هناك حرص زائد هذه المرة على منع مع المحتجين حتى من التواجد بالعاصمة،فقد اجتهد أولياء الأمر فوق العادة و خارج القانون،فقرروا طرد الأساتذة من فنادق العاصمة،و تكديسهم داخل السيارات و المخافر تمهيدا لارجاعهم لاقاليمهم البعيدة و القريبة.


لا مجال هنا للنقاش حول أحقية الدولة في اللجوء الى العنف،حسب ماكس فيبر فالنشاط السياسي يحتاج رقعة جغرافية، و يحتاج قوة للإكراه البدني من أجل فرض احترام القوانين والمساطر التي قبلها و توافق بشانها الجميع،على الأقل داخل أي نظام يدعي الديمقراطية.

ينطلق ماكس فيبر من فكرة تفيد بأنه ما دام لا يوجد مجال لتصور دولة دون عنف، فالعلاقة بينهما وطيدة وحميمية. فوجود الدولة يعني وجود تنظيم وتجمع سياسي له الصلاحيات والسلطة التي تمكنه من فرض الأوامر، وإلزام الناس بالطاعة.


لا أعرف متى تم التوافق على تحويل الأساتذة ،دون غيرهم من موظفي الدولة،إلى عمال جهويين بعقدة،و لكن أرى أن الدولة بوسعها أن تحاور أولا،و تحاور ثانيا و تالثا و رابعا،و أن يكون فعل تطبيق القانون موازيا لخطورة أفعال من يخرقه.


حين يتظاهر معلموا الوطن،بعد أن استنفذوا كل وسائل الاحتجاج من حمل الشارة و اضرابات و مرافعات عبر وسائل التواصل،فتقابلهم الدولة بعنف و تنكيل يفوق كل تصور،على الجميع أن ينتظر استمرار الأزمة لسنوات مقبلة،و ما عدا هذا من صور جميلة و استجوابات تؤرخ لاصلاح وهمي فهو مجرد ضياع للوقت و استهتار باولويات الوطن.


“انا اعارض العنف، لأن ما ينتج عنه و يبدو جيدا فهو مؤقت فقط،في حين أن الضرر الناجم عنه دائم.”
موهانداس كرمشاند غاندي(1869-1948)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock