ملاحظات على هامش قطع العلاقات بين المغرب وبني جرمان !!
عبد الأحد دحماني/فرنسا
لربما من البديهي أننا حينما نتحدث عن ألمانيا الاتحادية سنتحدث عن قوة صناعتها وخاصة الميكانيكية ولكن دبلوماسية ألمانيا ليست بنفس قوة إقتصادها وذالك راجع لظروف تاريخية لا تخفى على أحد.
فألمانيا إقتلعت أنيابها قلعا بعد الحرب العالمية الثانية ووزعت أراضيها بين قبائل الحلفاء إمعانا في اذلالها ، ليترتب عن الحرب العالمية الثانية تأسيس مجلس الأمن الدولي بدوله المنتصرة والتي ستحكم العالم بالحديد و النار وتدافع عن حقوقها بحق الفيتو المقدس الذي اجهض عدد من القرارات الأممية التي كانت ضد دول حليفة لأعضاء مجلس الأمن على شاكلة أمريكا وإسرائيل و روسيا وسوريا.
ألمانيا وإن كانت هرم اقتصادي فهي قزم ديبلوماسي لا نرى له أثر في عدد من القضايا المصيرية في العالم ،اللهم القضايا الداخلية للاتحاد الأوروبي خاصة الأزمة اليونانية وأزمة اللاجئين و مؤخرا أزمة كورونا؛ حيث كانت ألمانيا هي الحضن الدافئ لعدد من الدول التي فشلت منظومتها الصحية في استيعاب مرضى الوباء اللعين، فصارت ألمانيا هي رأس الأفعى في الاتحاد الأوروبي بعد خروج المملكة المتحدة من هذا الاتحاد الذي لم يعد يلبي طموحاتها، فصارت هي الآمر الناهي خاصة بعد خفوت دور فرنسا وتخبطها في عديد الأزمات الداخلية من أبرزها انتفاضات السترات الصفراء.
قرار المغرب اليوم لا يمكن أن نأخذه بمعزل عن تصريح سابق لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حينما تحدث على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخلى عن ضبابية المواقف وأن يتخذ قرارات جريئة فيما يخص مغربية الصحراء إسوة بالقوة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية.
قرار اليوم لا اعتبره تهورا ولا تسرعا وإلا لما كان اليوم و بعد أشهر عديدة عن مؤتمر برلين للمصالحة الليبية والتي أرادت العمة ميركل من خلاله أن تقزم دور المغرب، مقابل دول “البلقنة” ليأتي مؤتمر بوزنيقة وينجح فيما فشلت فيه ألمانيا، و ليؤكد على بعد النظر عند الدبلوماسية المغربية التي اعتبرت أن الحل الليبي يجب أن ينبع من البيت الداخلي الليبي لا من الأطراف التي لا ترى في ليبيا إلا برميل النفط .
قرار اليوم هو رسالة إلى الاتحاد الأوروبي وليس فقط إلى ألمانيا فإن كان المغرب يتجرأ اليوم على ألمانيا وهي قائدة سرب الاتحاد الأوروبي فغدا لن يضيره شيء أن يتجرأ على ما دونها ذودا على مصالحه الحيوية والاستراتيجية.
قرار اليوم هو تأكيد على أن الأمم التاريخية وإن هزلت أو ضعفت فإنها دوما ودائما ما تمتلك جينات وتراكمات الهيبة ،ومن المؤكد أن العقل الجمعي الأوروبي لا يرى في المغرب اليوم فقط ذاك البلد الثالثي الذي يحارب على هوامش التنمية، بل يرى فيه تلك الأمة التي اذاقت عدد من الإمبراطوريات الأوربية الذل والمرارة وما معركة أنوال ووادي المخازن والزلاقة بعيدة…
ومن المؤكد أن العقل الجمعي الجرماني لن ينسى أنه لولا فلاحي الأرياف المغربية الذين أسماهوم دول الحلفاء بملائكة جلامبو لكانت قوات المملكة المتحدة أثر بعد عين و لما سمعنا عن أكبر إجلاء بحري في التاريخ الحديث.
و بين كل هذا وذاك تبقى أكبر الإشارات من قطع العلاقات هو أن مغرب ما بعد كورونا ليس هو مغرب ما قبلها، هناك احلاف جديدة تنبثق كحال كل جائحة وكل حرب.
والمغرب اليوم يريد أن يفرض نفسه بين الأمم وكونه واسطة العقد في أفريقيا، ومخطئ من يعتقد لوهلة أن قرار القطع اتخذ بدون مشاورات مع حلفاء المغرب التقليديين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية .
القرار اتخذ بهدوء نتيجة لعدد من التراكمات التي جعلت القطيعة هي الحل حتى تعود أوراق الكوتشينة إلى ترتيبها الصحيح وبما يخدم مصلحة كل الأطراف.
خلاصة القول أن المغرب اليوم أشبه بمروض الافاعي الذي يرقصها على نغماته والقصد في ذالك أن يجعل سمها الزعاف بلسما وترياق…
بقلم عبد الأحد الدحماني فاعل سياسي ومهندس الأنظمة الطاقية والحرارة بفرنسا.