النقد الممنوع.
عبد النبي الشراط.
فيما مضى من الزمن كانت الدولة تمنع بالقوة كل من ينتقدها أو يقترب من ساحتها، كان الوزير مقدس وكان المقدم خط أحمر، دون الحديث عن الملك.
في ذاك الزمن كان من يكتب عن جبروت قائد تصنع له المكائد، وتؤلب عليه السلطة الناس كي تجد له سببا لاعتقاله وسجنه، أما من يفكر (مجرد يفكر) بالكتابة عن الدولة المقدسة، فويل له مما يكتب…
كانت الأحزاب الديموقراطية حينها تطالب الدولة بالديموقراطية، بينما كانت تلك الأحزاب لا تعترف بالديموقراطية الداخلية بين منتسبيها، وما كانت تطالب به الأحزاب الدولة تستكثره على نفسها.
وكان حينئذ زعيم الحزب شبه مقدس بنظر أتباعه، لكن كانت هناك حركات واحتجاجات تطالب بالحرية والديموقراطية والكرامة، وقد تحمل منتسبو هذه الحركات ما لا يطاق من التعذيب والإرهاب والسجون والمعتقلات، والكثيرون قضوا نحبهم تحت سياط الجلادين أو عبر الإضراب عن الطعام وغير ذلك.
وبالرغم من القمع والبطش والتنكيل كان هناك صمود وإصرار من طرف هذه الحركات الاجتماعية والسياسية، وبمجرد ما كانت تعلن الحكومة عن الزيادة في أسعار المعيشة كانت هذه الحركات تخرج إلى الشارع في مظاهرات عارمة، بالرغم من القمع الذي كان يتعرض له المشاركون، وفي مقدمة هذه الاحتجاجات ( إنتفاضة الدار البيضاء سنة 82 وانتفاضة شبه شاملة في أغلب المدن المغربية سنة 1984.
كان الناس حينها يعتقلون ويعذبون فقط لأنهم كانوا يمرون بالقرب من المتظاهرين ولو متفرجين أو عابري سبيل لقضاء أغراضهم), ناهيك عن المتظاهرين الذين لم يكن ينجو منهم أحد…
حتى أن توزيع المناشير كانت تصل عقوبتها حتى الإعدام مثلما حصل لمجموعة 71 الشهيرة سنة 1983.
لاحقا تغيرت الظروف، وأصبح معتقل تازمامارت الشهير في خبر كان، كما أن بعض المعتقلات السرية الأخرى أصبحت متاحف.
والحقيقة أن المغاربة أصبحوا بعد ذلك قادرين على التعبير عن ٱرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم، خاصة بعد اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم، وأعلن في خطاب شهير عن المفهوم الجديد للسلطة، وطلب من جميع الولاة والعمال وبقية المسؤولين فتح أبوابهم للمواطنين باعتبارهم موظفين لدى الشعب.
لكن هل استجاب هؤلاء لنداء الملك ؟ وهل استثمرنا نحن هذه الحرية بشكل إيجابي أم اعتبرناها فوضى.. مجرد فوضى.. نشتم بعضنا البعض ونسيء لرموزنا وننتهك خصوصيات الٱخرين باسم الحرية المظلومة؟
ذلك ما سنجيب عنه في الجزء الثاني من هذا المقال.