مقالات الرأي

معنى ان تكون وطنيا..


د. عادل بن الحبيب

الوطنية قبل أن تكون انتماء الفرد لمكان معين ،فهي فكر إنساني راقي جوهره حب الخير والتضامن ،فكر ينعكس في تصرفات الفرد من أعمال وإنتاج بدون تمييز وبعيدا عن العنصرية والتعصب .


فحب الوطن ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصور وأعلام تبرز يوم في السنة، أو عبر عطل رسمية، أو برنامج إذاعية أو إخبارية، بل هو ثورة ذاتية ملتهبة في النفس، تصدر من عمق الأرض ورحمها، فترسل أشعة نورها إلى القلب، فتحرك حرارتها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة.. تلك الوطنية والوطن، المصطلح الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، يتغنَون بنشيده، يمجِدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر “مستديم” يحتّم علينا تفهمه وتشبعه وإرضاعه للأجيال.


كثيرون ممن يتشدقون بحب الوطن و العمل على خدمته و بنائه و الحرص عل مصلحته و هم ابعد من ذلك ، كثيرون ممن يتبجحون بالخوف على الوطن و هم أكبر و ألذ أعداء له، الوطن عندهم حقيبة سفر و رصيد و جواز و حصانة و جنسية مزدوجة .”فلا تنخدعوا بنظرات الحنين الزائفة في وجه من يتظاهر بالوطنية، وهو غير ذلك!” هكذا قال أبو الأدب الأمريكي مارك توين، وهكذا عبر عن حبه للوطن.

فهناك من تخاذل في حب الوطن وأبحر في خلق الأوهام والأعذار وهو مكشوف، بل مخطئ بائس.. وهناك وطنيون “حقيقيون” يتنفسون حب الوطن .


أن تكون وطنيا يعني أن تبتعد عن المصالح الفئوية والمنافع الشخصية وتضع مصلحة المغرب فوق أي اعتبار.

أن تكون وطنيا، يعني أن تخدم المواطن المغربي أيا كان أصله و فصله أو مقر سكنه، وان تتعامل مع الجميع من منطلق انه مواطن مثلك مثله.

أن تكون وطنيا، معناه أن تتخلى عن انتمائك الحزبي والقبلي والمذهبي وتضع انتمائك للدولة و للمغرب كمعيار أوحد لا غيره، وتخاف على الوطن مثل خوفك على أولادك وعرضك.

أن تكون وطنيا، يعني أن تحترم القانون و المؤسسات و أن تؤمن أن لا أحد فوق القانون مهما علا شأنه .

أن تكون وطنيا يعني أن تبتعد عن العنصرية والتمييز تجاه الآخرين أيا كان عرقهم ودينهم وجنسهم .

أن تكون وطنيا عليك ألا تصادر حق الآخرين في الاختلاف و التعبير عن الرأي.

أن تكون وطنيا يعني ألا تظهر بعشرين وجه ،تتلون و تنافق و تغير الخطاب و المبادئ و القناعات حسب المواقف و المصالح.

أن تكون وطنيا يعني أن تلتزم بالقسم الذي تؤديه سواء كنت نائبا او وزيرا، سفيرا آو طبيبا محاميا آو قاضيا , وأن تحافظ على الدستور وعلى سيادة المغرب وتحترم القانون.

أن تكون وطنيا يعني ألا تعطي امتيازات لنفسك و معارفك على حساب من يستحق من أبناء الوطن أصحاب الكفاءة والخبرة.

أن تكون وطنيا، يعني ألا تكون أداة للانقسام الطائفي والقبلي والتعصبي .


الوطنية هي أن تصبر و لا تتزحزح عن قناعاتك فقط لان التيار الجارف يدعوك إلى إلغاء عقلك وفكرك وإلى نسيان الماضي وإغماض عينيك عن الحاضر .


الوطنية الحقة تستدعي تحمل الأذى و الضغط والإغراء والإغواء.


الوطنية فكر وإستراتيجية ومبادئ واضحة وخطوات جلية باهرة.


الوطنية في عصرنا الحديث مؤسسات وتقاسم للأدوار ومراقبة وحساب واقتصاد وثقافة وإستراتيجية وسياسة ودراسات وتقييم.


الوطنية في الاقتصاد هي محاربة الفساد، وفي السياسة هي إعطاء حرية الاختيار للمواطنين، و في الهوية هي التمكين لمبادئ الوطن ودينه ولغته، والوطنية في الإدارة هي وضع الأشخاص المناسبين في مراكز القرار، وفي الإعلام هي تمكين حماة الوطن -مثقفون وغيرهم- من زرع ميراث الوطن، والوطنية في التربية هي تنشئة الأجيال علي لغتهم وتاريخهم ودينهم وحب وطنهم.


الوطنية الحقة هي أن يقول عنك الناس أنك وطني، والوطنية الحقة هي أن يقول عنك التاريخ أنك وطني، والوطنية الحقة هي أن تقول عنك حصيلة السنين أنك وطني، ولن تكون الوطنية أبدا قرارا مفروضا على المواطنين، أو دعاية كاذبة، والأفعال تخالفها.


المواطنة الصالحة هي أن يسعى الإنسان قدر جهده وفي مجاله ومسؤوليته إلى التغيير نحو الأفضل في وطنه ودفع الضر عنه بمقتضى العلم والعمل انطلاقا من ثوابت الدين والعقل والحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock