مقالات الرأي

جنون الكرسي و هوس السلطة.

د. عادل بن الحبيب

“مرض السلطة” مرض غريب في أعراضه، غريب في تطوراته، غريب حتى في نوعية البشر المعرضون للإصابة به، فرغم التقدم العلمي الملفت للنظر في مجال العلوم الطبية ، وقدرتها على اكتشاف الكثير من الأدوية والعقاقير لمعالجة العشرات من أنواع الإمراض ومنها النفسية ، إلا أنها لم تستطيع معالجة هوس السلطة والنفوذ.

من خلال الاستقراء النفسي البسيط يتضح أن كل رجل سياسة مصاب بهذا المرض يسعى دوما ويمني النفس بالوصول إلى السلطة وتقلد المناصب السياسية، «حب تملك السلطة وممارستها»، ويدفعه هذا الحب النرجسي للمنصب السياسي إلى تكريس الوقت والجهد والمال للظفر بكرسي أو منصب سياسي، فالسلطة، القوة، والسيطرة هي كنز ثمين بالنسبة إليه، يريد الحفاظ عليه بأي ثمن.

تلك هي رحلة الأنا، فهو يعيش لتحقيق مآربه، وإرضاء أنانيته، و ليس لخدمة الآخر و الرقي ببلاده، همه الوحيد تكديس الاموال هنا و هناك و نفخ حساباته البنكية في الداخل و الخارج.

ومن هذا المنطلق تنشأ علاقة حميمة بين حب الكرسي و بين مرضى السلطة، وتظهر على رجل السياسة المحب للمنصب سمات نفسية وسلوكية شاذة من قبيل: ممارسة السلطة من منطلق شخصي «شخصنة المنصب»، و اتخاذ القرارات وصنع السياسات بصفة انفرادية، وتصوره أنه مركز الكون «التمركز على الذات»، دون أن يفسح المجال لمشاركة الآخر في النقاش العمومي واقتراح الحلول والبدائل.

ومن أعراضها «تضخم الأنا» النرجسية المفرطة وحب الظهور والتعالي، والإحساس بـ«عقدة الاضطهاد» والتآمر عليه لإطاحته من منصبه، ما يولد لديه الحذر والشك في نوايا خصومه السياسيين، الشيء الذي يؤثر في حالته النفسية ويشوه شخصيته إلى درجة يفقد معها اتزانه الانفعالي والسلوكي، وتجعله مستعدا لأن يقفز على القيم والمبادئ من أجل الوصول إلى المناصب وتملك السلطة.

انها عبادة المنصب التى تجعل من بعض الاشخاص يعبدون المناصب ويقدمون القرابين لمن فى نظرهم سوف يقربهم إليها، ويستخدمون كافة الوسائل والحيل النفسية للوصول الى ذلك ويتملقون ويكذبون وينافقون ويداهنون ويرآؤن ويصابون بجميع الامراض القلبية التي تجعل منهم مغتربون عن انفسهم وعن الله قبل كل شيء بل وحتى عن قيمهم ودينهم ومجتمعهم…إنهم عبيد السلطة .

تجد الواحد منهم يبدو فى شخصية معينة وعندما يمسك المنصب أو النفوذ او السلطة يتحول إلى شخص آخر لا تكاد تعرفه والحقيقة أنك لم تعرفه من قبل وما ظهر عليه من تغيرات بعد توليه المنصب لم تفعل غير أنها أظهرته على حقيقته وكشفت القناع المزيف الذي يضعه على وجهه.

عبدة الكراسي يعبدون الكرسي وبودهم لو حملوا كراسيهم معهم حتى لا يستولي عليها أحد غيرهم في غيابهم، وهؤلاء لا يجدون أنفسهم إلا فوق كراسيهم، فإذا غادروها يحسون بالصغار والمذلة والدونية، لأنهم في الحقيقة ظلال وهمية، والكراسي هي من تمنحهم الوجود والمكانة.

ولعل هذا ما افقد الثقة في العمل السياسي ،وجعل الجميع اليوم لا يرون في كل داع للتغيير أو الإصلاح سوى مجرد باحث عن بعض السلطة أو بعض المال، وما أدى إلى افتقادنا ذلك الإحساس بأنه يوجد بالفعل مَن يعمل لأجل المؤسسات، لأجل الآخرين، لأجل بناء الدولة بأركانها المختلفة.

بين أن نجعل غاية السياسة عندنا هي تعزيز السلطة و زيادة الثروة، أو نجعلها ترتقي إلى بناء الدولة والرقي بمؤسساتها يكمن الفرق بين الوطني المتطلع للمستقبل و بين الانتهازي عاشق الكرسي، الكرسي وسيلة لبناء الوطن و ليس غاية لزيادة الثروة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock