وفاة أستاذ بعد انهيار أحد جدران قسم بمؤسسة
وفاة أستاذ بعد انهيار أحد جدران قسم بمؤسسة تخضع لاصلاحات يعيد إلى الواجهة ” إشكالية اوراش البناء والإصلاح داخل المؤسسات التعليمية”
عادل بن الحبيب
لقي استاذ بقيادة نزالة بني عمار ضواحي مدينة مكناس يوم أمس حتفه بعد انهيار أحد جدران المدرسة التي يدرس بها على الساعة الخامسة زوالا. الأستاذ كان متواجد بالقرب من الحجرة الدراسية بالمؤسسة التي كانت تخضع لإصلاحات من طرف أحد المقاولين، قبل أن ينهار فجأة أحد الجدران، و تسبب في وفاة الأستاذ و إصابة عامل بناء تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية.
رحم الله الفقيد و ألهم ذويه الصبر والسلوان و إنا لله وإنا إليه راجعون و متمنياتنا بالشفاء العاجل لعامل البناء. هذا الحدث الأليم يعيد إلى الواجهة إشكالية أوراش البناء و الاصلاح داخل المؤسسات التعليمية ،و يجعلنا نطرح عدة أسئلة: كيف يتم الحصول على الصفقة و تمرير المشاريع الى مقاولين لهم مشاكل سابقة في احترام دفتر التحملات؟ من المسؤول عن الغش الذي يطال المشروع خلال الدراسة و الإنجاز و المتابعة و التسليم؟ لماذا لا يتم تتبع الاشغال من أجل التأكد من احترام دفتر التحملات؟ كيف تتم أوراش البناء و الإصلاح في أوقات الدراسة رغم الأخطار التي قد تسببها للتلاميذ و العاملين بالمؤسسة ؟ كيف يتم السكوت على المقاول على الرغم من أنه لا يحترم مدة الإنجاز و لا الاحتياطات اللازمة عند الابناء او الاصلاح؟ لماذا يتم التماطل في صرف مستحقات المقاولين الذين تنتهي أشغالهم و الذين يحترمون دفتر التحملات؟
لفهم إشكالية اوراش البناء و الإصلاح داخل المؤسسات يجب الرجوع الى إشكالية الصفقات العمومية في المغرب الذي عرف عقودا من التعتيم و الجمود اللذان طالا مختلف جوانبه القانونية و الإقتصادية و المالية و القضائية .و لم يشفع الانتقال الديمقراطي و حده، الذي أطلق في أواخر تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، في التسريع من وثيرة إخراج مجال حيوي كالصفقات العمومية من النفق المظلم الذي ظل يعيش فيه على الرغم من الإصلاحات الإيجابية التي سجلها إن على المستوى القانوني أو المؤسساتي.
رغم كل هذا مازالت الصفقات العمومية بالمغرب دجاجة تبيض ذهبا بالنسبة للبعض ، وكعكة تسيل لعاب الفاسدين. إن مختلف تقارير كل من المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية كشفت عن اختلالات وتجاوزات يعرفها مجال الصفقات العمومية في العديد من المؤسسات العامة والجماعات المحلية. كما أقرت أن تطبيق النص المتعلق بالصفقات العمومية أبان عن حقيقة مرة وهي أنه لا يحمي المنافسة الاقتصادية الشريفة، ولا يضمن المساواة بين المقاولات المتبارية، ذلك أن هذا النص حافظ على الطرق التقليدية لتدبير وتفويت الصفقات مثل طلب العروض والمباراة والمسطرة التفاوضية وسندات الطلب، وكل طريقة تعرف مساطر معقدة وتعتريها اختلالات تمس في النهاية بمبدأ شفافية تدبير الصفقات العمومية.
إن الصفقات العمومية أضحت تفرز سلبيات على الاقتصاد الوطني كفيلة باغتيال التنمية، إذ أنها تساهم في تعميق العجز التجاري للبلاد وتنال بقوة من احتياطيها من العملة الصعبة. اعتبارا لحجمها وما تمثله من الناتج الداخلي الخام، كان من المفروض أن تكون الصفقات العمومية مكونا أساسيا من مكونات النشاط الاقتصادي المغربي، كما من شأنها أن تشكل محركا لخلق الثروات المضافة إن هي تخلصت من الفساد . بفعل الفساد الذي ظل يطالها، أضحت مصدر ريع لبعض المقاولات ولبعض المسؤولين الفاسدين. فهذا الفساد هو الذي يكمن وراء التكاليف الباهضة للصفقات العمومية، هذا علاوة على الغش الذي أصبح قاعدة بفعل تنامي الرشوة. للأسف الصفقات العمومية مازالت مرتعا للزبونية والمحسوبية.
فمن بين الاختلالات الكبرى التي تمس تدبيرها قيام اتفاقات وتفاهمات مشبوهة بين الإدارة وبعض المقاولات بعينها دون سواها. ومتى كانت الزبونية والمحسوبية والاعتماد على قنوات خاصة وشبكة علائقية هي الأجدى ، خلافا للقنوات العادية، لنيل الصفقات العمومية،تعشعش الفساد وصعُب التصدي له.
الغش الذي يبدأ بالدراسة التي تكون بعيدة كل البعد عن الواقع و بأرقام خيالية تنهك خزينة الدولة ، ثم الغش خلال الإنجاز و عدم احترام دفتر التحملات، سواء خلال الإصلاح او عند البناء ،فالمواصفات المتوافق حولها في الاوراق لا يتم احترامها على ارض الواقع ، كما لا يتم احترام الآجال حيث نجد العديد من اوراش بناء أقسام او مؤسسات تعليمية متوقفة بدون سبب مما يؤثر سلبا على تمدرس التلاميذ و يحرمهم من حقهم في الاستفادة من الغلاف الزمني كاملا.
كل اشغال الاصلاح و البناء تتم في اوقات الدراسة ، دون احترام دفتر التحملات ،الشي الذي يؤدي الى تعريض حياة كل العاملين بالمؤسسة الى الخطر . المؤسسات التعليمية تصبح أوارش بناء كبيرة في غياب تام لادنى شروط سلامة التلاميذ و العاملين بالمؤسسة، و حتى العمال الذين يشتغلون لايحملون أي إشارة تميزهم عن الاغراب.
إن أي إصلاح للمرفق العام، وخاصة المؤسسات التعليمية لما لها من خصوصية، يجب أن يرتكز على المبادئ التي تضمنها الدستور الجديد، من خلال آليات تُمكن من تفعيل هذه المبادئ، بالشكل الذي يكفل الشفافية في تدبير المال العام ويحفظه من تلاعب المتلاعبين.
فقد خصص دستور 29 يوليو 2011 حيزا مهما للحكامة الجيدة، و نص على مجموعة من المبادئ منها: مبادئ المساواة و الإنصاف و الاستمرارية، و معايير الجودة و المحاسبة و المسؤولية في تقديم خدمات المرفق العام، وممارسة أعوان المرافق العمومية لوظائفهم وفق مبادئ احترام القانون و الحياد و الشفافية و النزاهة و المصلحة العامة، وضمان تلقي ملاحظات المرتفقين و شكاياتهم و تتبّعها، و خضوع المرافق العمومية للمراقبة و التقييم في تدبير الأموال العمومية. فمتى سيتم تنزيل هذه المبادئ على أرض الواقع؟