كرونو تيفي

النظام العالمي ينحدر نحو فوضى يديرها لاعبون عالميون.

مقالات الرأي

محمد القاضي

الانحدار نحو الفوضى بدأ التخطيط له عمليا منذ سنوات الثمانينات من خلال تغلغل المؤسسات المالية العالمية في فرض أجندتها على أنظمة وحكومات بلدان العالم الثالث، والبلدان التي توصف ب”السائرة في طريق النمو أو البلدان النامية”، عبر آليات برامج التقويم الهيكلي والمخططات الإصلاحية المدعومة في الظاهر من طرف هذه المؤسسات المالية العالمية…. (قلت ظاهريا، لأن تمويلها الحقيقي من جيوب الشعوب).


هذه المخططات الإصلاحية تم إقرارها وتبنيها وتنفيذها من طرف بلدان العالم الثالث تحت شعار ” مواكبة المستجدات وتجويد الادارات وخدمات المرفق العمومي وتبسيط المساطر، دون أن تعرف أنها -أي هذه المخطات- ستدفعها لاحقا إلى الانحدار نحو مصيدة وأفخاخ هذه المؤسسات المالية العالمية…


وبالفعل وجدت معظم الأنظمة والحكومات أنها وقعت في فخ ومصيدة لا يمكن لها الخروج منه بسهولة، فالدول التي استدركت أخطائها وأخطاء نهجها وتمكنت من تحديد الافخاخ المنصوبة لها. قامت بتغيير نهجها وأخرجت نفسها من الفخاخ…


أما التي انساقت في نهج سياسة “العام زين”، واصلت عملها في التماهي مع إرادة المؤسسات المالية العالمية وتنفيذ توصياتها ومخططاتها الجديدة، التي حملت شعارات جديدة مثل تحرير الاقتصاد الوطني وتشجيع المبادرات الحرة….حيث اتجهت معظم الحكومات التي سقطت في الفخ في نهج سياسة الخوصصة تحت ذريعة تخفيف أعباء النفقات العمومية وتجويد جودة الإنتاج والخدمات …


وبما أن الكثير من المؤسسات العمومية والشبه العمومية كانت تدر أموالا طائلة على الدولة وقادرة على توفير مناصب شغل وتحقيق فائض في التمويل الذاتي، فإنه تم تجنيد مجموعة من الفاسدين والمجرمين وتنصيبهم كمدراء على هذه المؤسسات وخلق مكاتب نقابية بعناصر أدمية فاسدة وجاهلة ومبلطجة للتآمر على طحن هذه المؤسسات العمومية، بمعية منتخبين فاسدين من درجة “بلاطجة وشفارة”.

وذلك قصد تفليسها وإنهاك ماليتها وزعزعة ثقة العاملين بها – أي ضرب السلم الاجتماعي- وذلك بهدف إيجاد مبرر لتسليم هذه المؤسسات إلى القطاع الخاص والشركات العابرة للقارات (إما تفويتها او عبر التدبير المفوض او عبر بيعها ) …

وللأسف الشديد المؤسسات المهمة يتم تفويتها للشركات الاجنبية…
وأغلب المؤسسات التي تم استهدافها هي التي لها طابع اجتماعي وسيادي وخدماتي مثل وكالات النقل الحضري ووكالات توزيع الماء والكهرباء، خصوصا التي تتواجد بمدن استراتيجية مثل طنجة، الرباط، البيضاء، مراكش وأكادير…


المنطق يقتضي أن كل إصلاح أو تغيير يراد من خلاله تجويد المنتوج والخدمات وخلق فرص شغل جديدة والتحرر فعلا من أعباء النفقات العمومية …

لكن العكس هو الذي حدث ويحدث، إذ أن هذه “الإصلاحات” واكبتها عمليات السحب التدريجي من القرارات السيادية وتنامي المعدل السنوي للمديونية الخارجية وتقليص مساحات آفاق الشغل، وازدراء العمل السياسي وبلطجته، وزعزعة ثقة المواطن في مؤسسات بلاده وتنامي مظاهر الفساد من محسوبية وزبونية ورشاوي والتلاشي التدريجي للحس الوطني.


في هذه المرحلة، معظم الحكومات تجد صعوبات جمة في إدارة الشأن العام الوطني وتحديات كبرى يصعب تذليلها، لسبب بسيط هو أنها غير قادة على التعاطي مع المعضلات المطروحة والتي تتجدد وتتعاظم يوما بعد يوم …لأن صاحب القرار هو من يملك المال وهو من له ديون على هذه الحكومات، وهو تحديدا “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ” وباقي الدائنين الاخرين…


عدم القدرة على التجاوب والتفاعل مع انتظارات وتطلعات الشعوب، يؤدي إلى بروز احتقانات اجتماعية وسياسية ويؤدي الى انحرافات في صفوف الشباب (الجريمة، الانحلال الأخلاقي…).


وهذه المصائب تتعاظم يوما بعد يوم بالتوازي مع تنامي سلطة الأطراف الخارجية على مركز اتخاذ القرارات التي غالبا ما تكون مخيبة وليست في صالح الشعوب…


والربيع العربي تأسس على هذا الواقع، أي أن المجرم الحقيقي هو نفسه من قاد هذا الربيع العربي(حلف الناتو وأذياله من الأنظمة الرجعية)، لأنه استطاع تطويع مسؤولي الحكومات المستهدفة وإحكام قبضته عليها …


أما الحكومات التي فطنت للعبة في وقت مبكر واعتمدت في بناء اقتصادها على إمكاناتها الذاتية وتجنبت التعامل مع المؤسسات المالية الدولية (مثل BM et FMI)، فقد تم تدميرها تحت ذرائع واهية مثل احتضانها للإرهاب، أو تصنيعها لأسلحة دمار شامل أو بسبب انتهاكات حقوق الانسان …وغيرها من المبررات الأخرى … (العراق، الصومال، ليبيا، سوريا، فنزويلا… ).


وأعتقد جازما أننا وصلنا الى مرحلة من أخطر المراحل على استقرار الشعوب والأمم، بدءا من مارس 2020.


في هذا الشهر برز الى الوجود وباء كورونا ؛ وفي هذا الشهر تم إقرار وفرض الحجر الصحي في معظم بلدان العالم…ونحن نعلم جيدا أين ظهر هذا الوباء وكيف ظهر وكيف انتشر كالنار في الهشيم…


هذا الوباء ضرب الاقتصاد العالمي وضرب الاقتصاديات الناشئة في مقتلها وتسبب في كثير من المآسي الاجتماعية والاقتصادية وبسببه فقد الملايين من الناس وظائفهم …

وقصته لازالت سارية المفعول ونتائجه المأساوية تتعاظم يوما بعد يوما، ولكن في المقابل هناك أقلية قليلة في هذا العالم راكمت أضعاف ثرواتها خلال هذه الأزمة الكورونية .

والنتائج المتوقعة ستكون كارثية وستكون لها ارتدادات كارثية على السلم الاجتماعي والاستقرار والأمن الأهلي …لأن أغلب الحكومات وجدت نفسها غير قادرة على تلبية متطلبات شعوبها خصوصا فيما يتعلق بتعويض الفاقدين لشغلهم ووظائفهم ولأنها مطوقة بأوامر المؤسسات الدولية وهي مجبرة على تنفيذها حرفيا…


ومن النتائج والانعكاسات التي ستفرزها جائحة كورونا، خلخلة العديد من الأنظمة السياسية وإسقاط أخرى وفرز نظام عالمي جديد بقوانين جديدة وأنماط سلوكية جديدة لا مكان فيها للإنسانية ولا مكان فيها لهيبة القانون الدولي.

إذ أن اللاعبون الجدد في الملعب الدولي سيستلهمون القوانين من امزجتهم ومن أهوائهم ومن ما تقتضيه مصالحهم ومصالحهم فقط.


وهؤلاء الحكام الجدد في الملعب الدولي سيستعملون وسائل إعلامهم الضخمة في تغذية الشعور القومي لدى بلدان أوروبا وتغذية مظاهر العنصرية لأجل تفكيك الاتحاد الاوربي واندلاع حروب أهلية وحروب بين دول أوربا. والعمل أيضا على تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية.

بينما في دول العالم الثالث سيقسمون المقسم ويجزؤون المجزء وسيحولونها إلى كنتالونات وإمارات صغيرة على هواهم وأمزجتهم…


أما ساسة ومسؤولي بلدان العالم الثالث الذين يهربون أموال شعوبهم نحو الخارج سيتم مصادرة اموالهم دون رحمة أو شفقة من قبل الحكام الجدد للعالم تحت ذريعة إنها أموال منهوبة ومسروقة من الشعوب أو مصادرها مشبوهة.


المستقبل المنظور سيكون صعبا للغاية، وأطفال ومراهقي اليوم سيكونون ضحية هذا المستقبل، وستكون أمامهم تحديات أكبر منهم وأكبر من طاقتهم وأكبر من وعيهم خصوصا وأن نسبة كبيرة من وسائل الإعلام في وقتنا الحاضر – من خلال برامج منمقة- تعمد إلى قتل شعور الانتماء الوطني فيهم وزرع الهاجس المادي في قلوبهم وروحهم وإفساد أخلاقهم وتربيتهم…


الحل الوحيد أمام حكومات بلدان العالم الثالث وحكومات البلدان “النامية” لتفاذي الكوارث في المستقبل، هو رد الاعتبار للعمل السياسي الوطني وتحرير الاحزاب السياسية من اللصوص وأباطرة الريع وإقرار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ومصادرة الأموال المنهوبة من اللصوص سواء كانوا سياسيين أو نقابيين او رجال سلطة او منتخبي… دون رحمة أو شفقة…


وقريبا – أي خلال السنوات القليلة المقبلة- ستكون حكومات البلدان النامية – تحت الإكراه – مضطرة لإيجاد مببررات لخوصصة التعليم والصحة وما تبقى من مؤسسات عمومية …


وبدون ذلك سيكون على هذه الدول أن تتحمل مسؤولية سقوطها وانهيار بلدانها والمآسي التي ستحل بشعوبها …
اللهم إني قد بلغت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock