سياسة

الصحة و التعليم أولويات مغرب مابعد كورونا.

عادل بن الحبيب.

عرت جائحة كورونا على واقع قطاع الصحة بالمغرب،ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية لا يزال منخفضا للغاية. ففي عام 2018، احتل المغرب المرتبة 123 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهو واحد من أدنى المعدلات المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،حيث يمثل قطاع الرعاية الصحية أحد القطاعات التي تؤثر سلبا على ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشري لهذا يجب ايجاد حلول لملف الصحة وما يشوبه من نقائص على مستوى الخصاص المهول في الأطر الطبية وضعف البنية التحتية من مؤسسات استشفائية والتجهيزات اللوجيستية ، و التفاوتات كبرى في الحصول على رعاية صحية جيدة بين المناطق الحضرية والقروية والمستشفيات العمومية والخاصة وبين مختلف المناطق في المغرب بالإضافة الى ضعف تعميم التأمين صحي وغيره من المشاكل التي يعج بها القطاع.


إن التحديات التي تم التطرق إليها أعلاه كبيرة لكن تجاوزها ممكن. فقد أوضحت استجابة المغرب السريعة لأزمة كوفيد 19 والقدرة الهائلة للدولة على مواجهة أزمة الصحة العامة أن تحسين جودة قطاع الرعاية الصحية يعتمد أولا وقبل كل شيء على وجود الإرادة السياسية أكثر من اعتماده على القيود المرتبطة بالميزانية والحكامة، على الأقل على المدى القصير.

نقاط الضعف لنظام الرعاية الصحية.


أما على المدى الطويل، فمن المهم فهم نقاط الضعف الأعمق لنظام الرعاية الصحية. فلا شك أن تعبئة الموارد الضرورية لإدارة الأزمة على المدى القصير والذي ساهم في إنقاذ أرواح الكثيرين في المغرب و جهود الإصلاح على مدى العقدين الماضيين قد حسنا الوضع العام لقطاع الصحة العامة بالمغرب.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك تحديات كبرى تواجه جودة الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الصحية العمومية الأساسية. هدف الحكومة المتمثل في توفير تغطية صحية شاملة مازال بعيدا عن المنال، حيث أن عدد الذين يتوفرون على تأمين صحي في المغرب يمثلون أقل من نصف السكان. وبعبارة أخرى، فإن جهود الإصلاح مازالت غير كافية حتى الآن.


يجب الاعتماد مستقبلا على ست أولويات لتحسين جودة الرعاية الصحية العمومية وطرق تقديم الخدمات الصحية.

زيادة الإنفاق:

بالرغم من أن الموارد المالية ليست هي كل شيء، لكنها نقطة انطلاق جيدة لبدء الإصلاحات، فعلى زيادة الإنفاق العام والبحث عن المزيد من التمويلات الخارجية للاستثمار في مجال الرعاية الصحية وخدماتها والرفع من أجور العاملين بالقطاع.

تحسين تقديم الخدمة:

يمثل انعدام الثقة أساس التحديات التي يعرفها القطاع الصحي في المغرب. فالرأي العام غير راضٍ عن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الرعاية الصحية ويعتقد أن أداء قطاع الصحة العمومية ضعيف. وبالتالي فأغلب المغاربة يلجؤون في الغالب إلى القطاع الخاص (الذي لا يستطيع الكثيرون تحمل تكاليفه)، ويمكن تحسين جودة الرعاية الصحية ليس فقط من خلال الاستخدام الأمثل للموارد مثل رأس المال البشري فقط بل عن طريق تحسين إدارة الموارد البشرية ولاسيما عن طريق تشجيع الشراكة والتعاون وليس الاعتماد على الموارد المالية فقط.

توسيع نطاق نظام التأمين :

تتعلق الأولوية الثالثة بتوسيع نطاق التغطية الصحية نظام تأمين صحي عمومي شامل يجب أن يكون هدف الاستثمار الحكومي، خاصة لسكان المناطق القروية. يمكن تخصيص المزيد من التمويل الخارجي لهذه الخدمة الأساسية. يجب على الحكومة توفير مستويات كبرى من التعاون الدولي في ظل أزمة كوفيد 19 لزيادة مشروعات الشراكة في قطاع الرعاية الصحية مع مجموعات مثل البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.

الاستثمار في التوظيف المستهدف في قطاع الصحة، وخاصة بالنسبة للشباب :

تنفيذ برامج تعليمية وتدريبية موجهة للشباب لبدء العمل في قطاع الرعاية الصحية. يمكن أن يساعد هذا الأمر في معالجة القضايا المنهجية المتصلة ببطالة الشباب وفي حل مشكل نقص الأطباء وطواقم التمريض في نظام الرعاية الصحية بالمغرب.

الاستثمار في تصنيع المعدات الطبية:

يشكل التصنيع الصناعي عنصرا أساسيا في استراتيجية المغرب لتنويع اقتصاده بهدف زيادة الصادرات وخلق فرص العمل من خلال إثبات مكانة المغرب كمركز تصنيع رئيسي, يمثل الاستثمار في تصنيع معدات الرعاية الصحية مجالا محتملا آخر للتنويع ويشهد نجاح المغرب مؤخرا في تصنيع كميات كبرى من الأقنعة الواقية وأجهزة التنفس الصناعي.

ففي شهر أبريل ، كان المغرب ينتج 5 ملايين قناعا يوميا، حسب ما أوضحه وزير الصناعة مولاي حفيظ العلمي. وكانت الطاقة التصنيعية عالية لدرجة أن المغرب أصبح يصدر الأقنعة إلى أوروبا. كان تصنيع الأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي هدفا للتعامل مع جائحة كوفيد 19، ولكن يجب على واضعي السياسات البحث بجدية أكبر في مسألة التصنيع في قطاع الرعاية الصحية، ليس فقط لأغراض التصدير إلى أوروبا ولكن للتصدير إلى الدول المجاورة في المغرب العربي وغرب ووسط إفريقيا والذين يفتقرون إلى المعدات الطبية أيضا. ستكون هذه هي الخطوة الأولى من الاستراتيجية الاقتصادية للمغرب للربط بين الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة) وإفريقيا.

تعزيز الشراكات مع الشركاء المحليين والعالميين :

أظهرت أزمة كوفيد 19 أيضا مستوى الترابط بين قطاعات الصحة العمومية. فمن بين المشكلات الرئيسية في الاستجابة العالمية الحالية للأزمة، نقص القيادة العالمية والتعاون الإقليمي. يشعر المرء بأن الدول مضطرة للتعامل مع الجائحة بمفردها.

التعليم.

التعلم بصفة حضورية إن أمكن : من المهم إبقاء المدارس مفتوحة، حيثما أمكن، وفي ظل تدابير صحية صارمة، من أجل إعطاء المتعلم أفضل فرصة للتعلم وسد الفجوات لان التعليم عن بعد بصيغته الحالية أكد بالملموس محدوديته و ضعفه.

مأسسة التعليم عن بعد : تجربة التعليم عن بُعد يجب استثمارها وتطويرها وتجويدها، و مأسستها و ذلك باعتماد مرسوم ينظم التعليم عن بُعد. مع ضرورة “تنميته وتطويره باعتباره مكملا للتعلم الحضوري. وذلك باتخاذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث. مع ضرورة تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها ، وإحداث مختبرات الابتكار وإنتاج الموارد الرقمية وتكوين متخصصين في هذا المجال.

الاهتمام بالوضعية المادية والمعنوية للأستاذ و جميع العاملين بالقطاع : حل جميع الملفات العالقة والرفع من الاجور مدخل اساسي لاي اصلاح مع ضرورة إيلاء أهمية خاصة للتعليم الأولي لدعم الإنتقال بشكل سلسل للتمدرس السليم، وذلك من خلال الترافع من أجل إستفادة الأطفال البالغين 3 سنوات من التعليم الأولي.، بإشراك المقاولين الذاتيين والمجتمع المدني في هذا التعليم.

تطوير التعليم الخصوصي و تجويده : بات من الضروري فتح نقاش عمومي حول القطاع فـي أفق تأهيله من جهة، واضطلاعه بأدواره الـمجتمعية من جهة أخرى,مع ضرورة توطيد وتفعيل شراكة القطاع مع الوزارة التربية والتعليم واعتباره قوة اقتراحية تستطيع أن تسهم فـي تطوير القطاع وتجويد مؤشراته، وتجاوز النظرة التقليدية التي ترى فـي القطاع مجالا لتخفيف أعباء ونفقات الدولة على التعليم.

محاربة الهدر المدرسي : للحد من مخاطر التسرب الدراسي، من المهم تنظيم حملات للتوعية بمخاطر الهدر المدرسي وتشجيع التمدرس خاصة في المناطق النائية .

التكوين المستمر للاساتذة : الارتقاء بقدرات الاستاذ هو عنصر أساسي للرقي بالتعليم ,المدرسون في حاجة ماسة إلى تنمية مهاراتهم الرقمية والتكيف مع تقنيات التدريس عن بعد.

بناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحسين فرص حصول الجميع على التعليم الجيد: رغم محدودية استخدام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المغرب، إلا أن الجائحة أسرعت من وتيرة اللجوء إلى هذا النوع من الشراكة فأثناء فترة إغلاق المدارس ، دخلت وزارة التربية الوطنية في شراكة مع موفري الشبكات وغيرهم من المهنيين لتعزيز البنية التحتية الرقمية مع تحديث منصات التدريس والتوصيل عبر الإنترنت. ومن شأن ذلك أن يخط مسارا لمستقبل التعليم في المغرب، وأن يشكل عامل تغيير على درب الوفاء بأهداف التنمية المستدامة.

تبني أساليب جديدة لتسريع وتيرة الإصلاحات : في الوقت الذي تهدد فيه الأزمة تعليم الملايين، فإنها تتيح أيضا فرصة للقطاع لكي يصلح نفسه. من خلال التدخلات الموجهة بشكل جيد ، والتي تركز على الأطفال المعوزين، يمكن للمغرب تسريع تحقيق العديد من أهدافه مثل تعميم التعليم قبل الابتدائي بحلول عام 2028 للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 5 سنوات، وتحسين جودة التعليم وتعزيز المساءلة على طول سلسلة تقديم خدمات التعليم ، بالاعتماد على الأساليب المبتكرة القائمة على المعطيات.

ربط التعليم بسوق الشغل : من المعروف أنه في الدول المتحضرة، أخذ التعليم يواكب متطلبات سوق العمل. وهذا الاسلوب العلمي والعملي كان له أكبر الأثر في ضمان مستقبل التلاميذ والاجيال القادمة، وفي نفس الوقت ينمي الحراك الاقتصادي.

ولا شك أن أوروبا قد تخطت جدلية التعليم والعمل المهني قبل أكثر من ستة عقود. وفي الخمسينات من القرن الماضي كانت هذه الجدلية قد شغلت بال الأكاديميين والاقتصاديين وقد استطاعوا في نهاية المطاف بناء خارطة طريق سليمة، بعد أن ربطت التعليم بسوق العمل، فأخذا يسيران جنباً الى جنب في مسيرة النهضة العلمية والاقتصادية، وكانا وما زالا يكملان بعضهما البعض في حركة النمو، وبالتالي لم يعد هناك تكدس مفرط للمهارات والمهن في أسواق العمل مثلما هو حاصل لدينا.


ولمعالجة هذا الخلل الجسيم يتوجب ان يتم الشروع في اعداد استراتيجية وطنية للتعليم وربطها بسوق العمل. ولا نقصد هنا فقط التعليم الجامعي بل أيضا التعليم ما قبل الجامعي منذ الابتدائي وحتى الثانوي يجب ان يشمل كل ذلك استراتيجية وطنية يتم بموجبها تحديد احتياج سوق العمل وربطه مع التعليم في مسار واحد. لأن ربط التعليم بالعمل لا يحقق فقط تغطية لاحتياجات سوق العمل فقط بل سيطور من التعليم وأيضاً يطور من سوق العمل لتغطية المستجد منها وعدم التقوقع في أنظمة تعليم قديمة بل ستتطور بتطور سوق العمل.


وأهم تلك التطورات هو الاهتمام باكساب التلاميذ المهارات وعدم الاكتفاء بالمعارف والمعلومات ونقصد هنا وجوبية إدماج التدريب في منظومة التعليم لما للتدريب من دور كبير في استكمال إيصال ورسوخ المعلومات والمعارف في أذهان الطلاب بربطها بالواقع التطبيقي وعدم حصرها في الجانب النظري منها فقط.


إن هذه الإجراءات التدخلية مهمة لدعم قدرات تلاميذ المستقبل في المغرب أثناء الجائحة وبعدها. ستؤدي الأزمة بلا شك إلى استنزاف الموارد ؛ ولذلك ، من الضروري للمغرب أن يحافظ على وثيرة الإصلاح من خلال الاستمرار في الاستثمار في رأس المال البشري وبناء نظام تعليمي قادر على الصمود.


جائحة كورونا دافع قوي للانكباب الجاد على معالجة الملفات العالقة، التي ينبغي أن تجعل من المواطن قطب الرحى في السياسات العمومية، تنزيل مقتضيات الدستور وخاصة منها الحكامة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، تقوية المؤسسة القضائية والارتقاء بأدائها وحماية استقلاليتها. تطوير المجال الرقمي كركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتقديم الأجوبة الشافية للأسئلة المطروحة بحدة وإيجاد المخارج السليمة من أصعب المآزق، والتحول إلى نظم الإدارة الإلكترونية كآلية لتقديم الخدمات عن بعد مما يستدعي تعميق النقاش والدراسة في اتجاه إعادة بناء مغرب جديد على أسس متينة وسليمة.


مغرب ما بعد كورونا، سيعرف مجموعة من المتغيرات التي تمس في العمق مواصلة الإصلاح الشامل للقطاعات الأساسية و الاستثمار في العنصر البشري الذي يعد محرك التنمية، فالتفكير في نموذج تنموي يستلزم التركيز على القضايا التي تمس عمق المجتمع، وهي ثلاثية الأبعاد الاجتماعية الصحة التعليم و الأمن بمفهومه الواسع، تهيئ الوسائل الجديرة بتحقيق معدل تنمية يضمن تكافؤ الفرص وتكريس قيم التضامن في المجتمع، تفعيل دور الجهوية المتقدمة في تحقيق العدالة المجالية وتوفير آليات خلق الثروة والسهر على توزيع عادل لثمار التنمية بين جميع الجهات، للحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتقليص معدلات الفقر والأمية والبطالة والتهميش. نموذج تنموي يكون بإمكانه تجسيد آمال وأحلام المغاربة، يضع في صلب اهتماماته قضايا الشباب وطبقة وسطى مواطنة، ترسيخ أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ويرفع المواطن إلى درجة العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock