تضخم ليس كالتضخم..

يونس فنيش
27 مارس 2023
تعريف التضخم الذي يدرس في الجامعات قد لا يشفي الغليل في حالتنا، و إن كان تعريفا نظريا مفيدا. و في ما يلي مجموعة من التفاعلات التي واكبت التطورات الأخيرة في المجال التجاري، و الإقتصادي ككل، و الوضع المالي طبعا.
1- المسألة:
بتاريخ 17 أبريل 2022، طرحت في تدوينة على صفحتي بالفايسبوك مسألة في مادة علوم الإقتصاد قائلا : “يرتفع الإنتاج؛ و رغم التصدير يكاد العرض يفوق الطلب في السوق الداخلي، و لكن مع ذلك يرتفع أيضا الثمن ضدا على قانون الطبيعة التجارية.
- فكيف نفسر ارتفاع العرض و ثمن البيع في آن واحد؟
- و كيف يمكن أن نشرح ارتفاع الثمن رغم انخفاض الطلب نظرا لتجميد الأجور و تدني مستوى العيش؟
(مساعدة فكرية: دور السماسرة في ارتفاع الأسعار)”
2- التعامل مع السعر الرئيسي للفائدة:
و بتاريخ 3 أكتوبر 2022، ناقشت مسألة التعامل مع السعر الرئيسي للفائدة قائلا: “الرفع في السعر الرئيسي للفائدة من أجل خفض السيولة لن يمنع التضخم بل سيؤدي فقط إلى مزيد من الفقر لدى الطبقات الهشة، و مزيد من الإنكماش لدى الطبقة المتوسطة، و مزيد من قلة فرص الشغل بطبيعة الحال؛ ناهيك عن كون هذا الرفع في سعر الفائدة الرئيسي سيجعل فقط الأغنياء أكثر استهلاكا للكماليات و لن يؤدي إلى انخفاض في أسعار المواد الأساسية نظرا لغياب آليات ناجعة للمراقبة. خفض السيولة قد تنفع مؤقتا في بعض البلدان ولكنها قد تؤدي إلى نتائج كارثية في بلدان أخرى استهلاكية التي تحتاج إلى رفع السيولة بدل خفضها نظرا لارتفاع العرض دونما تدني معتبر في الطلب، مع ضبط فعال و متوازن للأسعار و إنهاء الإحتكار و تضارب المصالح. خلاصة: الرأي أن رفع سعر الفائدة الرئيسي من 1,5./. إلى 2./.، بدون سبب قاهر واضح، سيؤدي إلى خفض الإنتاج و اللجوء إلى الإكتناز بعيدا عن الأبناك، و بالتالي كان من الأفضل بكثير خفضه إلى 1./. من أجل رفع الإنتاج و تشجيع الإستثمار، و رفع المعنويات، و تأكيد الثقة في المنظومة المالية، و مضاعفة فرص الشغل. يتبع…”
3- المندوب السامي للتخطيط:
و يومه، 27 مارس 2023، أكد أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط بأن: “رفع سعر الفائدة من طرف بنك المغرب لن يحل مشكل التضخم…متسائلا عن جدوى هذا الإجراء، الذي قد تؤدي تبعاته وفق مراقبين، إلى إبطاء عجلة التنمية الاقتصادية، وتعطيل الرؤية الحكومية المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات. ناهيك عن التأثر المرتقب على قطاع العقار الذي يعول عليه لتحقيق الإنعاش الاقتصادي” ( جريدة أخبار الدار)
4- والي بنك المغرب:
و في 22 مارس 2023، “قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إن ارتفاع التعامل بـ”الكاش” يدفع إلى التفكير في فرض ضريبة على ذلك، وهو ما خلصت إليه عدد من الدراسات المقارنة.” ( جريدة هسبريس).
طيب، ولكن هل تلك الدراسات المقارنة تأخذ بعين الإعتبار خصوصية الإقتصاد المغربي؟ هذا سؤال كبير عريض، و الرأي أن لا يجب التسرع في تنفيد فكرة تضريب المعاملات النقدية قبل الأوان لأن من شأن ذلك إحداث خلل في منظومتنا الاقتصادية الداخلية الاستثنائية في وقت اشتد فيه “التضخم”، دون أن يتوفر لدينا شرحا أو تفسيرا دقيقا مقنعا لأسبابه أو مسبباته حتى نبادر لمعالجتة دون مخاطرة.
5- رسالة إلى خبراء الإقتصاد:
و بتاريخ 29 أكتوبر 2022، دونت رسالة قصيرة إلى خبراء الإقتصاد : ” تذكير: لقد قل الطلب على الفواكه و الخضر و اللحوم، و هي منتوجات قابلة للتلف، وذلك لأن القدرة الشرائية انخفضت إلى حدود 50./. و العرض مازال مرتفعا و الإنتاج وفيرا، و مع ذلك لم تنخفض الأثمان بل مازالت متجهة نحو الإرتفاع. هذه هي الإشكالية التي تستدعي شرحا مستفيضا شافيا منطقيا علميا من طرف خبراء الإقتصاد في الجامعات. و أما الشروحات الكلاسيكية النظرية البائدة فلقد تجاوزها الزمن. أين تذهب إذا البضاعة الغير المباعة القابلة للتلف في وقت وجيز ؟”
بالنسبة لأحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط : “التضخم سببه نقص العرض و ليس الطلب”، ولكن هذا ما لا يلاحظه كل شاهد عيان، بحيث أن الأسواق مكتضة بالخضروات و الفواكه من كل الأنواع و رغم ذلك الأسعار مرتفعة، و هذا يعني منطقيا أن لدينا ارتفاع في العرض مصحوبا بارتفاع يوازيه في الطلب، و إلا لانخفضت الأسعار حسب قانون العرض و الطلب. فهل يجب شرح هذه الظاهرة بأن إذا كان استهلاك الطبقة المتوسطة و الفقيرة في انخفاض فاستهلاك الطبقة الغنية في ارتفاع…؟
6- الحل المتوفر:
الحل يتجلى في إجراء مستعجل، ففي مقال بعنوان “المخرج للأزمة الاقتصادية المضمونة نتائجه” (هوية بريس 8 يونيو 2022)، كتبت:
“هذه مسألة سبق أن شرحتها مرارا و تكرارا، و أتمنى أن ينتبه المسؤولون إلى هذا الطرح. فمن لديه، كحكومة أو كدولة، كأمر واقع، ديونا تبتلع 50./. أو حتى 80./. من مدخوله، عليه أن يفاقمها ب10./. إضافية للضرورة الحقيقية التي تصب في تمكين المجتمع من الخروج من ضيق العيش حتى نتمكن من مواجه ثقل الديون بكل أريحية في أفق التخلص منه نهائيا، و هذا شيء في متناول المغرب و المغاربة… و في حالتنا و نظرا للأوضاع برمتها، الضرورة أو المنفذ الآمن يتجلى في الإستثمار المضمونة نتائجه فورا و بلا أدنى مغامرة، ألا و هو رفع أجور الموظفين العموميين ب 25./. على الأقل لأن هذا هو الإستثمار الذي لن نخاف أبدا من ضياعه هباء منثورا، لأنه لن يعود سوى بالنفع على الدولة في كل الأحوال… إن تكلفة الزيادة في أجور الموظفين بنسبة 25./. جد مربحة في وقتنا الراهن، لأن تكلفتها الإجمالية لن تعادل أكثر من 5./. أو أقل من مجموع أقساط الدين الخارجي، في حين أن رفع الأجور ب 25./. على الأقل سيحرك الدورة الإقتصادية الداخلية بشكل ملموس في أسرع وقت، و سيرفع قيمة الضرائب المستحقة للدولة بسهولة مفرطة، و سينعش الأبناك أيضا”…
و أما الآن و الكلام عن منع الدول من رفع الأجور من طرف المؤسسات المالية العالمية، فتخفيض الضريبة على الدخل بنسبة 80./. أو حذفها مؤقتا بالنسبة للموظفين العموميين يبقى إجراء ممكنا.
7- استجابة غير كافية:
بتاريخ 22 أكتوبر 2022 في مقال بعنوان : “25 درهم لن تنقذ الإقتصاد الوطني” (جريدة بالواضح)، كتبت ما يلي: ” الزيادة المعتبرة في أجور الأطباء بحوالي 4000 درهم، مثلا، وربما في أجور القضاة أيضا بحوالي 5000 درهم، مثلا، وفي أجور الأساتذة الجامعيين بحوالي 3000 درهم، مثلا، خبر مفرح وجميل جدا، ولكن زيادة 25 درهم فقط، مثلا، لبقية الموظفين العموميين الذين يشكلون الأغلبية في الوظيفة العمومية شيء يثير الإستغراب ولا يستشف منه بأن الحكومة استوعبت فعلا بأن الحل الوحيد الذي بحوزتنا -حسب الظروف المعروفة و بغض النظر على مشاكل الإدارة العمومية التي تحتاج لإصلاح عادل جذري عميق-، وفي خضم الأزمة الخانقة التي تعيشها كافة القطاعات التجارية والمهن الحرة، يكمن في رفع أجور جميع الموظفين العموميين بدون استثناء ب25./. على الأقل -وليس 25 درهم-، وذلك من أجل خلق رواج تجاري داخلي ينقذ المهن الحرة و قطاعات أخرى داخلية متضررة من جمود طال أمده و هو جمود لن تنفع معه مقولة “كم من أشياء قضيناها بتركها” لأن القضية المستعجلة قضية اقتصاد فقط. و شكرا على الإنتباه و مراجعة الأفكار الإقتصادية النمطية المتجاوزة…”
8- توفير النقود للضرورة:
كان علينا ربما اغتنام فرصة سانحة قبل تفاقم الوضع بسرعة مفاجئة، و هي فرصة على كل حال لن تكون ممكنة بعد تعميم و فرض العملة الرقمية على الجميع… ففي 23 نونبر 2021، دونت ما يلي: ” لا بأس من التذكير بأن الحل المتاح للخروج من الأزمة الإقتصادية في حالتنا، و الله أعلم، يكمن في طبع مزيدا من الأوراق النقدية بنسبة كافية من أجل رفع الأجور، فتمة الحل الوحيد الذي لن يتسبب في تفقير الأغنياء و لكنه سيخرج الناس من ضيق العيش مؤقتا لتجنب اضطرابات نحن في غنى عنها، في انتظار اتضاح الرؤية في خضم التطورات السياسية و الإقتصادية التي يعرفها العالم الجديد، و لا داعي للاستدلال بأية فلسفة اقتصادية بالية للتصدي لهذا الإقتراح، لأن لا علم شامل في الاقتصاد اليوم بعد أن أصبحت جميع النظريات متجاوزة. الإستقرار اليوم يمر عبر توفير النقود بشكل كافي للجميع مادامت السلع الاستهلاكية متوفرة و الطلب محدود. إنه حل يقتضي شيئا من المجازفة، نعم، ولكنه كفيل بضمان الإستقرار العام إلى أن تمر سحابة الصيف بسلام و في هدوء تام يتيح فرصة للتأمل…”
خلاصة: لكل بلد التضخم الذي يخصه و الذي يجب مواجهته كل حسب خصوصيته الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية.