حرق القرٱن .. مسؤولية من ؟

كتب/ عبد النبي الشراط
من جديد (ينهض) المسلمون من سباتهم العميق للتنديد بما أقدم عليه المواطن الدانماركي السويدي من حرق للمصحف الشريف أمام مقر السفارة التركية (السبت 21 يناير 2023) بالعاصمة السويدية ستوكهولم..
وتحركت جحافل المسلمين من الخليج إلى المحيط تدين وتستنكر ما أقدم عليه شخص واحد يعتبر بنظر العقلاء حتى من غير المسلمين فاقد الوعي والذاكرة، وأنه لو كان عاقلا حقيقة لما أقدم على ذلك.
والحقيقة أن المواطن الدانماركي السويدي “راسموس بالودان” لا يفعلها لأول مرة، بل دأب على هذا السلوك المريض منذ 2017، وهو يقوم بمثل هذه الحركات البهلوانية، فقد قام بالودان بحرق عدد من المصاحف في مدن دانماركية مختلفة، وفي أبريل من العام الماضي 2022، فقط قام بحرق نسخة من القرٱن الكريم في مدينة مالمو السويدية.
الأمر ليس جديدا إذن، لكن هذه المرة بالغ “بالودان” في غبائه حينما ربط حرق مصحف المسلمين بإسلام تركيا، هذه الدولة التي كانت وراء رفض دخول السويد لمنظمة حلف الناتو، إذ تقدمت بطلب لهذه المنظمة مباشرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، فارتعدت السويد وتقدمت بطلبها..لكن نظام الناتو يشترط قبول طلب أي دولة جديدة في حلفه بموافقة جميع الدول الأعضاء دون استثناء ولا تعتمد “الناتو” قرار الأغلبية في انضمام دولة جديدة، بل كل الدول يجب أن توافق. لكن تركيا اشترطت على السويد التوقف عن دعم الأكراد الذين تعتبرهم (جماعة إرهابية) وقد رفضت السويد طلب تركيا فرفضت تركيا قبول انضمام السويد للناتو.
هذا جانب، ولذلك اعتبر المواطن المزدوج الجنسية (غير العاقل) أن المصحف هو بمثابة دستور لتركيا فقام بهذه الحركة البهلوانية ليجلب الأنظار إليه بصفته يميني متطرف كما تصفه وسائل إعلام غربية نفسها.
الجانب الٱخر في القصة هو أنه من حين لٱخر يطلع لنا شخص من دولة غربية أوروبية، فيعمد إلى الإساءة إلينا كمسلمين مثلما فعل قبل سنوات مواطن دانماركي أيضا(أعتقد) على رسم صورة كاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وٱله، وقد كان هذا الكاريكاتير مغمورا جدا في جريدته، فأصبح بعد ذلك نجما عالميا توفر له الدولة الحماية والأموال وو الخ.. خوفا أن يمسه سوء من طرف (متطرف أو إرهابي مسلم).
ونفس الحالة جرت مع مجلة إيبدو الفرنسية والقصة طويلة.. لكن الأشهر والأقوى في هذا الصدد هو ما حدث في أوائل ثمانينيات القرن الماضي حينما أقدم روائي بريطاني فاشل من أصول هندية على تأليف رواية بعنوان ” ٱيات شيطانية” والحقيقة أن “سلمان رشدي، مؤلف الٱيات الشيطانية” لم يكن يدري أن روايته هذه ستكون بمثابة كنز له، إذ تحول من روائي فاشل إلى كاتب لامع،(سبق أن أصدرا روايات، لكن لم تحقق أي صيت يذكر) وأضحى اسمه يتردد في كل بلاد العالم!
لكن ما هي أسباب شهرته؟ الجواب بكل تأكيد نحن المسلمون . في قضية رشدي أقام المسلمون الدنيا ـ بالهرج والمرج ـ ولم يقعدوها، من المشرق إلى المغرب، وفي كل بلاد الله، بيانات التنديد والاستنكار من الجهات الرسمية والشعبية والمنظمات والجمعيات وعامة الناس.. حتى أن زعيم الثورة الإيرانية حينئذ السيد الخميني أصدر فتوى بقتله.. فوفرت له الحكومة البريطانية السكن والحماية الأمنية وخصصت له راتبا مغريا، فكان رشدي هو الرابح والمسلمون هم الخاسرون الذين لا يستطيعون فعل شيء إلا الصراخ..
ولو كان المسلمون عقلاء أيضا (ونحن نرى فينا الفقهاء والشيوخ والعلماء والمفكرين) لو كانوا يعقلون لتطوع واحد منهم للرد على رواية سلمان ومناقشة ٱرائه السخيفة ودحضها بالحجة والبيان وانتهى الأمر،
لقد عشت تلك اللحظات وكنت في العشرينيات من عمري وكلما سألت جهة ما أو شخصا أدان ما تفوه به سلمان كلما سألت أحدا.. هل قرأت رواية سلمان رشدي يكون الجواب لا.. فأبادر بسؤال ٱخر.. لكن كيف تدين وتستنكر وأنت لم تقرأ ؟ فيكون الجواب مفلسا أكثر.. لقد قالها العلماء (القصد علماء المسلمين طبعا).
طيب ولماذا هؤلاء العلماء الأجلاء لم يردوا على ما كتبه هذا الشخص بالأدلة فينسفون كلامه من الأصل.. الجواب.. سكوت. علما أنه في ثمانينيات القرن الماضي لم نكن نتوفر على هواتف نقالة ولا أنترنت.. لكن حديث سلمان رشدي وروايته الشهيرة وجدت صداها وصداه حتى في القرى النائية التي لا تتوفر حتى على الكهرباء.
سلمان رشدي في نهاية المطاف قتل بالولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يحاضر في إحدى جامعاتها.. لكن ماذا استفدنا بقتله؟ ألم يكن حري بنا أن نحاوره في صلب روايته التي اعتبرناها إساءة لنبينا وأزواجه، والتراث الديني ككل؟ لماذا يتهرب المسلمون من الحوار مع مثل هؤلاء ويكتفون بمهاجمتهم وسبهم وشتمهم والتنديد بأعمالهم؟ ألم يكن من الأجدى أن يتواصل أي مسلم منا يتقن لغة المواطن الدانماركي السويدي فيحاوره ويسأله لماذا أقدم على حرق المصحف الشريف؟ لماذا وزارات الخارجية في العالم الإسلامي (ضمنها المغرب طبعا) لم تسعى لفتح قنوات التواصل مع هذا – العلماني المتطرف المتعصب- عبر ديبلوماسييها في ستوكهولم بدل إصدار البيانات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هل نحن عاجزون لهذا الحد عن محاورة أعدائنا مثلا؟ ألا نملك الحجة ؟ ألا نتوفر على أدلة نقنع بها أمثال هؤلاء عن الكف عن شطحاتهم الصبيانية؟ وإلا كان الأجدى ـ على الأقل ـ أن نتجاهل هؤلاء مطلقا.. وبذلك لن نصنع منهم أصناما جديدة وشخصيات مهمة نتلهى بالرد عليها ونضيع وقتنا بالمجان.. في مثل هذه الترهات..
لنتصور أن شخصا أبله أحمق.. أصبح يحسب له حساب بفضل غبائنا وقلة فكرنا وانعدام رؤيتنا للحياة.. إن هناك طريقتان لا ثالث لهما.. إما أن نسعى لمحاورة هؤلاء أو نتجاهلهم نهائيا، لأن الطريقة التي يتبعها المسلمون في مثل هذه الحالات إنما تصنع من الأقزام أبطالا وترفعهم إلى عنان السماء بالمجان.
دعو الحمقى يعبرون عن رأيهم أيضا. هؤلاء يحرقون القرٱن علانية ونحن نحرقه سرا يوميا بإهمالنا لهذا المصحف “طبقا لتعبير الشيخ مجيد العقابي” الذي اطلعت على قصاصة له هذا الصباح فنالت إعجابي حقيقة.
نحن نضع المصحف في بيوتنا ومكتباتنا ومكاتبنا للزينة فقط، دون أن نتدبر الجواهر الثمينة التي جاء بها هذا المصحف العظيم، أما أن يأتي شخص فيقدم على حرق نسخة واحدة أو نسخ متعددة منه فلن يثيرني الأمر، بل لو كان بإمكاني لسألت هذا الشخص ما هي النتيجة التي جنيتها بحرقك للمصحف؟ هل حققت أهدافك؟ بالتأكيد لا، لكن نحن من بذلنا جهدا لنحقق له الكثير من الأهداف التي لم يكن يحلم بها.. نحن اغبياء.. أليس كذلك؟ () كاتب صحفي
مدير دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر/ المغرب
الرباط 23 يناير 2023