كيف تعرفت على حميد شباط القصة الكاملة.. قصة تأسيس جريدة المشعل.
فصول وقصاصات من كتاب (أوراق من ذاكرة متمردة) الجزء الثاني الذي خصص لتوثيق مرحلة هامة من مراحل الحياة المهنية للكاتب الصحفي عبد النبي الشراط كيف تعرف على حميد شباط القصة الكاملة.. قصة تأسيس جريدة المشعل:
لقد كان لشباط خصوم سياسيون من اليسار ومن اليمين وما بينهما، لكنه كان يسيطر على أغلبهم إما بالشراء أو بالمناورات، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن شباط موّل مؤتمرا لحزب يساري نظم بفاس مقابل عدم الضجيج. وكان أيضا في مرحلة لاحقة قد بدأ يشتري أصوات وأقلام بعض (الصحفيين) حتى ولو كانوا غير مؤثرين في المشهد..
كان حميد شباط كلما زاره صحفي، خاصة من يملك جريدة خاصة به، يحاول مساعدته، ومن ضمن من قدم لهم يد المساعدة، مدير جريدة المشعل؛ فكيف تم ذلك ؟
تأسست جريدة المشعل أول الأمر بمدينة فاس بدعم من البرلماني عزيز اللبار الذي كان ينتمي حينئذ لحزب الحركة الشعبية قبل أن يولي وجهه نحو حزب الأصالة والمعاصرة، وكان الهدف من تأسيس (المشعل) رصد هفوات شباط/العمدة والبرلماني والنقابي المزعج/ لكن سرعان ما توقف الدعم لهذه الصحيفة الناشئة ومغادرة صاحبها مدينة فاس للاستقرار بالدار البيضاء فتعثرت الجريدة في الصدور أكثر من مرة، ومع الايام بدأ صاحبها يحاول ربط علاقات مع شباط الذي كان يحب مثل هذه التقلبات..
صارت (المشعل) رقما في الصحافة الخاصة بالمغرب.كان مدير المشعل يسعى للاستفادة من الدعم المادي الذي كانت تخصصه وزارة الاتصال للصحف وقد حاول مديرها جاهدا أن يستوفي الشروط المطلوبة المقررة في دفتر تحملات وزارة الاتصال، التي من ضمنها الإصدار المستمر لمدة عامين، لكن اللجنة المكلفة بفحص ملفات الصحف رأت أن (المشعل) ينقصها عددين فقط لتستوفي المدة الزمنية القانونية للاستفادة من الدعم الحكومي، وبطبيعة الحال كانت الديون تراكمت على الصحيفة الناشئة، فلم يجد مديرها بدا من الالتجاء للسيد شباط.. وبدأت القصة…
ذات مساء اتصل بي حميد شباط، طالبا مني أن أكون موجودا بفاس صباح الغد الموالي على الساعة 10 صباحا، كنت ملتزما بشغل بمكتبي بالرباط، طلبت منه تأجيل الزيارة، فأكد لي أن الأمر مهم جدّا، ولابد من حضوري في الوقت المحدّد بأحد الفنادق المصنفة بالعاصمة العلمية.كنت تعوّدت منه مثل هذه الأمور، حينما يلح عليّ بالحضور في أوقات حرجة، أعرف أن له مشكل مع الحزب.. مع النقابة.. في البلدية.. مع الصحافة.. إلخ.. لكنني لم أتصور أن يكون الأمر بسيطا كهذا، الذي لا يستدعي حضوري على الإطلاق، لكن الرئيس كان يفكر بطريقة مختلفة جدّا.. كان يريد دائما أن يبعث برسائل للٱخرين بمثل هذه الطريقة.
وصلت الفندق في الموعد المحدّد، كان شباط برفقة شخصين في انتظاري، قدم لي أحدهما: هذا سي …مدير جريدة المشعل ، ألا تعرفان بعضكما البعض؟..وهذا زميله في الجريدة …. الذي سبق أن زارني ذات يوم بمكتبي بالرباط رفقة الزميل الصديق إدريس الوالي لكنني لم أتذكره وقتئذ…
توجه إلي شباط بالحديث قائلا: لقد طلبتك للحضور بهذه السرعة، لأن الإخوان (يقصد شحتان ورفيقه) عندهم أزمة مادية في الجريدة، وقد طلبوا منا الدعم، وأنا أخذت لهم مواعيد مع بعض المؤسسات هنا لدعمهم بمواد إشهارية، أما دورك أنت، وبحكم اطلاعك على كل الأمور في البلدية، فستبقى رهن إشارتهم لأي مساعدة ، وأن جميع رؤساء المصالح يعرفونك جيدا، كما يمكنك أن تمدهم بجميع المعلومات التي تخص إنجازات مدينة فاس، فأنت أدرى بها أكثر من غيرك..
فهمت رسالة شباط بشكل جيّد استنادا إلى تجربتي معه وإلى خبرتي بمثل هذه الأمور..ثم طلب مني الرئيس أن ألتحق به لطاولة أخرى بعد أن أنسق مع (الزميلين) مدير ورئيس تحرير جريدة المشعل..نهض شباط مغادرا.. السيد شحتان الذي ينحدر من إقليم تاونات (مسقط رأسي) – لكنه يفضل أن يقدم نفسه على أنه إبن مدينة فاس، كسائر الكثيرين الذين ينكرون أصولهم الجبلية – وضع رجلا على رجل ثم خاطبني قائلا: (أنت شنو يمكن لك تقدم لينا فهاد المهمة) ؟…وبالموازاة مع كلامه الموجه إلي إلتفت إلى علبة سجائر مارلبورو (سوبل) فوجدها فارغة، كنت أدخن حينئذ سيجارة (گولواز) فنهضت من فوري لمحل بيع السجائر الذي يوجد داخل مبنى الفندق، فجلبت له علبة السجائر التي يفضل ، وقلت له تفضل فأنا أدخن سجائر عادية..الزميل (م .ح) استشاط غضبا وخاطب مديره قائلا: أنت لا تعرف الأستاذ الشراط؟..هذا من قيدومي الصحافة بالمغرب، ونعتبره مدرسة قائمة بذاتها، فكيف تخاطبه بتلك الطريقة وكأنه يشتغل موظفا عندك؟.. إنه هنا ليساعدك فقط..
تلعثم إدريس وعبّر بشكل غير مباشر عن اعتذاره، ثم ذكّرني الزميل (م) بزيارته لمكتبي رفقة الزميل الوالي، مدير جريدة صدى تاونات..تجاذبت الحديث معه متجاهلا إدريس، وفي الأخير وعدني بزيارة جديدة للرباط.
ودعت الأخ (م) على أمل أن نلتقي، وطلبت منه في حالة حاجته لأي مساعدة أن يتصل بي فورا.. اتجهت نحو الطاولة الأخرى حيث كان ينتظرني شباط رفقة زملاء له من حزبه، ثم غادرنا الفندق؛ وبمجرد صعودنا إلى السيارة سألني: هل أوصلك إلى محطة القطار كي تعود إلى الرباط أم أنت مشتاق لفاس و.. أجبته بأنني أرغب بالعودة إلى العاصمة لأن شغلا هناك ينتظرني..كانت مكافأتي لهذه الزيارة 16 ألف درهم … وعدت أدراجي للرباط.
للذين لا يستطيعون فهم القصة، أن شباط حينما كان يلجأ إليه صحفيون مثل هذا، كان لا بد لي أن أكون حاضرا.. ويريد من خلال ذلك إبلاغ هؤلاء (أنني لست في حاجة إلى الإعلام، بقدر ما أن الإعلام هوالذي في حاجة إلي).
إدريس شحتان مدير جريدة المشعل، حدثت لي معه قصة طريفة لاحقا ألخصها كما يلي: حينما اعتقل شحتان على خلفية نشره مقال بجريدته عن مرض الملك محمد السادس في أوائل سنوات حكمه، وبطبيعة الحال ارتأت الدولة أن المقال فيه تجنّي وإساءة لملك البلاد، فتمّ اعتقاله، ومباشرة بعد الحكم عليه بسنة سجن نافذة، كتب رسالة استعطافية للملك محمد السادس يخاطبه فيها بعبارات البكاء والترجي كي يعفو عنه.
وبعد أن كان قد وضع عنوانا عريضا على صفحة الغلاف يقول: (حقيقة مرض محمد السادس) هكذا بدون احترام لشخص الملك وكأنه يخاطب شخصا في منطقة (السويقة بالرباط) في رسالته للملك بدا نادما ويائسا .. وكالعادة تشكلت لجنة من (الصحفيين) للمطالبة بإطلاق سراحه، وتوصلت من هذه اللجنة بعريضة التضامن مع شحتان كي أوقعها، فكتبت أسفلها ما معناه:(أنا لا يشرفني التضامن مع هذا الشخص الذي سعى للبطولة ثم عاد صغيرا يتوسل.. ولذلك فأنا لا أعبر عن تضامني معه).
بعد خروجه من السجن، التقينا في مدينة فاس، حيث حضر ربما لتغطية نشاط يهم شباط، وكان رفقة الفقيد المرحوم الحاج العربي حبي الاستقلالي المناضل بحق، فحاول أن يعاتبني على ما كتبت بشأنه، فسألته ماذا تقصد؟.. رد علي بأن شخصا سحب ما كتبته في حقه وأمده به بعد خروجه من السجن قائلا له (شوف الشراط شنو كتب عليك) وسعيا منه لتلطيف الجو قال: أنا علمت أن هذا الشخص ربما أراد أن يوقع بيني وبينك، فأجبته بأن الشخص صادق ولم يكذب وأنا كتبت ذلك بناء على قناعتي، فانفجر الحاج العربي رحمه الله ضاحكا، وقال له (يعجبني الشراط كيقول الكلمة فالوجه وأجره على الله)..