مقالات الرأي

حين يتحول الإحتجاج إلى طقس موسمي مع اقتراب الانتخابات : قراءة في ظاهرة تتكرر بإقليم تاونات كل خمس سنوات 

يونس لكحل.

مع اقتراب كل محطة انتخابية، يتجدد نفس المشهد بإقليم تاونات : دعوات مكثفة للاحتجاج، تغزو وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة “الفايسبوك”، تدّعي الدفاع عن قضايا الصحة، الماء، الطرق، والتنمية، لكن خلف هذا الغلاف الاجتماعي النبيل، تلوح أجندات سياسوية انتهازية لم تعد تخفى على أحد…

الغريب في الأمر أن معظم من يقفون وراء هذه الدعوات، هم منتسبون إلى أحزاب سياسية معروفة، بعضهم منتخبون حاليون، وآخرون سابقون في البرلمان والمجالس الجماعية، ويمثلون هيئات سيرت وشاركت احزابها في التدبير الحكومي والمحلي لعقد من الزمن . ومن جهة أخرى، نجد فاعلين جمعويين ينشطون تحت مظلة جمعيات مدنية تدّعي “الاستقلالية”، بينما واقعهم مرتبط بتنظيمات سياسية أو بعلاقات مصالح.

لكن المفارقة الأكثر إثارة، هي أن كل هؤلاء – ورغم توفرهم على تنظيمات قانونية ومكاتب إقليمية ومحلية – لا يملكون الجرأة أو الاستعداد لتحمل المسؤولية القانونية في تنظيم وقفة ! . لا إشعار رسمي للسلطات، لا احترام للمساطر، ولا وضوح في الجهة المنظمة. فقط دعوات إلكترونية تروج في الخفاء، يحرضون من وراء الشاشات، ويختبئون خلف شعارات ضبابية…

ومن المنطقي طبعا أن نسأل لماذا هذا التهرب من الإجراءات القانونية لتنظيم وقفة ! مع العلم انهم يخرجون في الفايسبوك يعبرون عن تنديدهم بمنعها من طرف السلطات ؟ بل أصدروا بيانات هيئاتهم الحزبية موقعة تستنكر وتندد بالمنع !!! ( قوموا بتبني الوقفات واحترموا المساطر القانونية ولن يكون هناك منع اصلا !) !! اليست هذه حقيقة …!!!

هل يخشون أن يُطلب منهم توضيح مسؤوليتهم السياسية عن الأوضاع التي ينتقدونها اليوم؟  

هل يخافون أن تُكشف نواياهم الحقيقية في تحويل الشارع إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسي انتخابي .. هل يخافون ان يدعون لحوارات مع السلطات تعطيهم الدلائل على المشاريع المبرمجة والحصيلة الموجودة على المستوى التنموي في جل المجالات بإقليم تاونات وبالأرقام …؟ …

 فعدم سلك المساطر القانونية لتنظيم الوقفات (إشعار السلطات، تحديد المطالب، تحمل المسؤولية)، وبالمقابل الاختباء خلف منشورات فايسبوكية تنشر باسم “السكان ” يعد سلوك وتصرف مخزي لا يليق بمن يدعي النضال والممارسة والفعل السياسي !! …. 

والابتزاز السياسي يبدأ حين يُدفع المواطن البسيط إلى الشارع، لا لتحقيق مطالبه، بل لخدمة أجندة انتخابية لفاعل فقد موقعه أو يسعى لاستعادته… 

والاحتجاج في حد ذاته ليس إشكالًا ، بل هو حق دستوري ومشروع عندما يُمارس في إطاره القانوني، ويستند إلى مطالب واقعية وتنظيم مسؤول. لكن حينما يتحول هذا الاحتجاج إلى طقس موسمي، لا يظهر إلا قرب موعد الإنتخابات ، ويقوده أشخاص محسوبون على أحزاب سياسية أو كانوا في مواقع تدبير لسنوات ، فإننا أمام مفارقة سوسيولوجية وسيكولوجية وسياسية تستحق التوقف والتحليل.

فظاهرة الدعوات الفايسبوكية المتكررة للاحتجاج قرب كل موعد انتخابات في إقليم تاونات لم تعد مجرد رد فعل اجتماعي، بل تحولت إلى أسلوب ابتزاز سياسي انتهازي، تختبئ خلفه أطراف لها ماضٍ في التسيير وحسابات في المستقبل الانتخابي . والوعي بهذا السياق أصبح ضروريًا حتى لا تتحول المطالب المشروعة إلى أدوات للتلاعب والإلهاء والتشويش …

الاحتجاج في الشارع العام ليس نشاطًا اعتباطيًا، بل يخضع لقانون التجمعات العمومية، ويحتاج إلى إشعار رسمي لضمان احترام النظام العام وعدم تهديد الأمن أو تعطيل المرافق او تهديد للأطر العاملة بها …. أما أن يُترك الأمر للفوضى فهذا منطق لا يستقيم …

وهؤلاء الذين يرفعون شعارات التنمية اليوم ويدفعون بالتظاهر عبر منصات الفايسبوك ، أين كانوا حين طُرحت معضلة تمويل مشروع تثنية الطريق الوطنية رقم 8 ؟  

– أين كان الترافع الحقيقي لجلب مشاريع الماء سدود وقنوات ملايير ومشاريع بقطاع الصحة مشروع المستشفى الإقليمي الجديد ومشاريع أخرى كثيرة … وفي قطاع التعليم والبنية التحتية وفي مجالات عدة …؟  

إن اختزال العمل السياسي في موسم احتجاجي قبيل الانتخابات، وركوب موجة ما بعد سنوات من الصمت والتواطؤ، ليس سوى محاولة يائسة لإعادة طرح وجوه بالساحة السياسية مع العلم انها هي نفسها تتكرر مع اقتراب كل إنتخابات، تحرض على الاحتجاج تحت شعار ” ها نحن هنا موجودون معكم ” لكن هيهات هيهات … 

لقد آن الأوان للتمييز بين النضال الحقيقي والشعبوية الإنتهازية المقيتة فالأصوات التي لا تظهر إلا عندما تشتد حرارة الصراع الانتخابي، ثم تختفي بمجرد ما تُغلق مكاتب التصويت عليها ان تخجل من نفسها …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock