فن وثقافةمقالات الرأي

مهرجان القنيطرة 2025 بين الإشعاع الفني والرهانات التنموية.

 محمد طبيب / فاعل جمعوي وحقوقي.

عرفت مدينة القنيطرة ما بين 23 و26 غشت 2025 حدثاً ثقافيا لافتا، تمثل في تنظيم دورة جديدة من مهرجانها الفني والثقافي بمشاركة أسماء بارزة وحضور جماهيري واسع. هذا المهرجان لم يكن مجرد سهرات غنائية في الهواء الطلق، بل محطة أثارت نقاشا مجتمعيا واسعا أعاد إلى الواجهة سؤال موقع الثقافة في التنمية، وجدوى مثل هذه المبادرات في مدينة ما زالت تبحث عن هوية ثقافية واضحة.

 

 المهرجان كقيمة مضافة.

 

القنيطرة، رغم وزنها الاقتصادي والديمغرافي، ما تزال تعيش خصاصا مهولا في البنيات الثقافية: لا مسرح حقيقي، لا قاعات سينما، ومركز ثقافي وحيد يواجه ضغط مدينة بأكملها. في هذا السياق، جاء المهرجان كمتنفس جماعي ومبادرة نوعية أتاحت للساكنة من مختلف الفئات الاجتماعية والأعمار فرصة نادرة للانفتاح على الفن والثقافة. الحضور المكثف بيّن أن المدينة “عطشى” للثقافة، وأن أي مبادرة من هذا النوع تجد صداها سريعا، وهو ما يجعل المهرجان أكثر من مجرد ترفيه، بل حاجة مجتمعية حقيقية.

 

 النقاش العمومي بين التأييد والرفض.

 

توزعت المواقف حول المهرجان بين ثلاث اتجاهات كبرى:

المؤيدون الذين اعتبروا أن المهرجان خطوة شجاعة لإعادة الاعتبار للثقافة كجزء من التنمية، مؤكدين أن القنيطرة تمتلك مقومات تجعلها قادرة على بناء هوية ثقافية خاصة بها، شبيهة بتجارب مدن أخرى مثل الصويرة مع “كناوة” أو فاس مع “الموسيقى الروحية”.

الرافضون الذين ركزوا على أولويات أخرى أكثر إلحاحا، مثل الصحة والبنية التحتية والتشغيل، معتبرين أن صرف موارد مالية على مهرجانات ليس أولوية. هذا الموقف مشروع من حيث المبدأ، لكنه يختزل التنمية في بعدها المادي فقط، ويغفل البعد الرمزي والثقافي الذي يصنع صورة المدينة ويمنحها إشعاعا داخليا وخارجيا.

الموضوعيون الذين تبنوا موقفا متوازنا اعتبروا المهرجان خطوة إيجابية لكنه يحتاج إلى تطوير، إلى برمجة تراعي الهوية التاريخية للمدينة وتنوع الأذواق الفنية، وإلى إشراك الكفاءات والجمعيات المحلية، مع ضبط البعد الأخلاقي واحترام قيم المجتمع. هؤلاء هم الذين قدموا نقاشا بناء يفتح الباب أمام تطوير التجربة بدل اختزالها في منطق “نجاح ساحق” أو “فشل ذريع”.

 

 المخرجات المباشرة للمهرجان.

 

إشعاع إعلامي وثقافي: القنيطرة أصبحت محط أنظار الصحافة الوطنية، وأدرجت ضمن المدن التي تراهن على الثقافة كواجهة.

انتعاش اقتصادي: سجلت المدينة حركية في قطاعات الإيواء، النقل، التجارة والمطاعم، وهو أثر جانبي إيجابي لكل تظاهرة كبرى.

فرص شغل مؤقتة: مئات الشباب وجدوا فرص عمل في مجالات التنظيم، الأمن الخاص، والخدمات اللوجستية.

تجربة جماعية: المهرجان خلق لحظة التقاء بين مختلف الفئات، وفتح مجالا للترفيه المشترك في فضاء حضاري.

 

 الرهانات المستقبلية والتوصيات

 

نجاح أي مهرجان لا يقاس فقط بعدد الحضور أو الأسماء الفنية المشاركة، بل بقدرته على الاستمرارية والتحول إلى مشروع ثقافي متكامل. ومن هنا يمكن صياغة بعض التوصيات العملية:

1. استدامة المشروع: تحويل المهرجان من موعد موسمي إلى رافعة ثقافية ضمن رؤية استراتيجية للمدينة.

2. استثمار العائد الرمزي والمادي: توجيه جزء من مردودية المهرجان لتعزيز البنيات الثقافية (مسرح، قاعات عرض).

3. الإشراك المحلي: منح الأولوية للفنانين والجمعيات القنيطرية في التنظيم والبرمجة.

4. تنويع الفنون: توسيع قاعدة البرمجة لتشمل الشعبي، الأندلسي، العصري والشبابي، بما يضمن شمولية الذوق الفني.

5. شراكات استراتيجية: عقد شراكات وطنية ودولية لرفع مستوى التكوين والتبادل الفني.

 

      خلاصة.

 

مهرجان القنيطرة 2025 لم يكن مجرد حفلات موسيقية، بل محطة كشفت عن تعطش المدينة للثقافة، وأبرزت الحاجة إلى جعلها ركنا أساسيا في التنمية.

 التحدي اليوم هو استثمار هذا الزخم وتحويله إلى مسار طويل الأمد يعزز الهوية الثقافية للمدينة، ويوازن بين متطلبات البنية التحتية المادية والروح الثقافية التي تمنح أي مدينة إشعاعها الخاص.

إن القنيطرة أمام فرصة تاريخية: إما أن تجعل من المهرجان نقطة انطلاق لمشروع ثقافي مستدام، أو أن تتركه مبادرة عابرة تنتهي بانتهاء أيامه المعدودة. والفرق بين الاحتمالين تحدده الإرادة السياسية، والوعي المجتمعي، وصدق الرؤية الاستراتيجية لدى مؤسسة عامل القنيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock