استراتيجية إلهاء الشعوب “المنديل الأحمر للثور الهائج”.
عادل بن الحبيب/كرونو نيوز
يفتح مصارع الثيران الباب للثور الهائج لينطلق غاضبا مسرعا بكل قوة إلى الساحة متجها إلى المصارع مباشرة لينتقم منه، الثور كبير، عظيم البنية ، هائج وغاضب ، وفي مواجهته مصارع صغير لن يستطيع مواجهة الثور ولو للحظة ، ولكنه بدلا عن المواجهة التي سيخسرها حتما ،يستخدم المنديل الأحمر ليلهي به الثور ، يلوح المصارع بمنديله نحو اليمين ونحو اليسار ، يظهر مصارع آخر بمنديل آخر يلوح به أيضا ، وهكذا..
يتشتت الثور عن هدفه الرئيسي (المصارع)، إلى مطاردة المناديل الحمراء الملوح بها ( الإشاعات المفبركة والأخبار الكاذبة و المواضيع التافهة )، وهكذا يستغل المصارع أو المصارعون حالة التشتت هذه التي حتما تضعف الثور ، ويبدأون في غرس سهامهم واحدا وراء الثاني في رقبة الثور الهائج هو ( الشعب المسكين ) الذي أدركه الإعياء لطول مطاردته للمناديل ، ثم لا يلبث الثور أن يسقط تماما ، وهنا يتمكن المصارع الصغير من هدفه عندما يجد الثور الهائج الكبير الذي ليس له به طاقة ، يجده أمامه ساقطا بلا حراك ، فيجهز عليه .
إنها سياسة الإلهاء، عملية تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الحقيقية والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية إلى مشاكل تافهة و أقل أهمية وأكثر صدى، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاء والمعلومات التافهة . فالرأي العام هو قوة الشعوب الضاغطة التي يجهلها الكثيرون، لاكن الدولة تدرك جيدا قيمته و اهميته.
تلجأ إليها الحكومة عندما تتعرض لازمات داخلية، وحين تفشل في تحقيق مطالب مواطنيها وحل مشاكلهم ، عندها تلجأ إلى قضايا هامشية بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية للمواطنين ، ويتم النفخ فيها عبر وسائل الاعلام أو أي وسيلة أخرى حتى تكبر وتتضخم من أجل أن يتوجه إليها الرأي العام وتصبح شغله الشاغل الهدف من كل ذلك ، إلهاء الناس بأمور و مواضيع ثانوية غير ذات أهمية حتى تستهلك وقتهم وتستحوذ على تفكيرهم ، بحيث لا يبقى لديهم متسع من الوقت للتفكير في القضايا و الإشكاليات المهمة و القضايا المصيرية مثل الصحة و التعليم و التشغيل و البطالة والفقر والعدالة الاجتماعية والمديونية و الفساد إلى غير ذلك، بحيث تغدو كماليات في الحياة لا مكان لها راهنا، فلا وقت للخوض فيها والنضال في سبيلها أمام لقمة الخبز، وتأمين مستلزمات الحياة.
فسياسة الإلهاء تقوم على صناعة الأفكار التي تلهي أكثر مما توقظ وتسلب أكثر مما وفيد،من خلال إبقاء المواطن مشغولا بشكل دائم لا وقت لديه للتفكير بالسياسة التي تتبعها حكومته، ولا بحقوقه المستلبة، ويتحول كل همه للبقاء على قيد الحياة، وتأمين قوت يومه.
وذكر تشومسكي في كتابه “أسلحة صامتة لحروب هادئة” ملخصا لتلك الفكرة قائلا: “حافظ على تشتت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية.وأضاف: “اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير”
يساهم في ذلك تواطؤ بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ، فبإمكان فيديو مصور بكاميرا هاتف ذكي قام به شخص ما، أن يشغل المواطنين و الرأي العام لساعات وأيام وربما أسابيع و شهور ، و الأمثلة على ذلك كثيرة و متعددة .