نحو مقاربة للفعل النفسي الاجتماعي 2/2

هشام نقر فاعل جمعوي ومدرب في التنمية الذاتية.
النمط الثالث هو وسيلة للتصالح مع الموضوعات، فهي تنظر للإنسان باعتباره مكونا من مكونات المجتمع له حقوق يجب أن يعبر عنها وهي ليست منة أو صدقة. وواجبات تحثم عليه في إطار التعاقد المجتمعي أن يساهم في مسيرة حمايته وبنائه من خلال إبداء الرغبة في المكاشفة الصريحة لتحديد كل ما بإمكانه التخلص او بالأحرى الكشف عن دوافع السلوكات المنحرفة بمعايير المجتمع والامتثال لها عن وعي وقناعة حماية للنفس والمجتمع.
إن الحديث عن الفعل النفسي الاجتماعي لا يجب أن يفهم منه انقلاب على الإرث الأكاديمي والدراسات والأبحاث التي تحاول الإجابة على كل الظواهر النفسية الاجتماعية أي التي تنبع من سلوكات فردانية ويكون وقعها سلبيا على الذات وعلى النظام القيمي والبنيان الاجتماعي ،وليس تبخيسا للعمل الجمعوي بل هو أداة للإجابة على انتظارات نريدها ميدانية واقعية تحل الإشكالات ولا تحلل الإشكالات فقط وأن يكون العمل الجمعوي كما هو مؤطر قانونيا وتسهر عليه أجهزة تنظيمية قانونية تفرض مساطر للعمل الجمعوي، يجب كذلك أن يكون العمل الجمعوي في المجالات النفسية الاجتماعية أن يكون مؤطرا بأجهزة مختصة في المجال حتى لا نشاهد تمردا من الموضوعات والفئات المستهدفة التي نريدها فاعلة إجابية لا متلقية سلبية.
فهذا النمط يقوم على أساس التعديل السلوكي من منظور ذاتي ، تفاعلي لا من منظور خارجي انفعالي فعمل الجمعوي لا يجب ان يرتبط دائما بثنائية مثير- استجابة أي أن ننتظر من نشاط أو عملية ميكانيكية خارجية نقوم بها اتجاه الموضوعات إحسانية ثقافية رياضية…تغيربطريقة الية لسلوك متجدر في عمق الموضوعات.
وأنا أخط مقالي هذا حاولت إقحام تجربة مغربية ، لعلها تعزز طرحي أو على الأقل تجعله واقعيا قابل للأجراة ، فاستحضرت باعتباري من أبناء سلا تجربة مغربية فريدة من نوعها ورائدة على المستوى الوطني والقاري إنه تجربة “شمسي” والتي انطلقت حين “تأسست الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة ” السيرك عام 2000 والذي استهدف الأطفال والمراهقين المتخلى عنهم والمنتمين لأسر معوزة بسلا ، قبل أن تتطور الفكرة بعد ذلك وتصير إلى المستوى المؤسساتي الاحترافي بالمعاير الدولية.
وأكثر ما أدهشني في الفكرة أن الجمعية رغم وجود وعاء عقاري بالعاصمة والاحياء الراقية بسلا إلا أنها اثرت مبدأ الواقعية والقرب أي أن تبني صرحها الاجتماعي الرياضي التكويني بحي شعبي بسيدي موسى بجوار أحياء الصفيح حيث تعيش الموضوعات المستهدفة ، فاستطاعت كسرة الحاجز النفسي للشباب ليدخلوا عن طيب خاطر لاكتشاف الضيف الذي اثر أن يجاورهم في حيهم ويعيش معهم همومهم ويرسم معهم أحلامهم ليصير هؤلاء الشباب والشابات بعد إدماجهم وانخراطهم حاملين مشعل التغيير والنجاح من خلال عروضهم الاحترافية داخل وخارج الوطن.
وهذا ما يعزز بالملموس فكرة الفعل النفسي الاجتماعي عمل الجمعية كان فعلا جمعويا مؤطر معرفيا ونظريا من أهل الاختصاص يتناول الموضوعات والظواهر ميدانيا ليجيب على تساؤلاتها ويعيد تصالحها مع المجتمع لتصيرهذه الموضوعات حاملا لمشعل التغيير والرقي لذاتها ولمجتمعها.
الفكرة إذن تقوم في أساسها على الاستباقية وليس الزجرية بمعنى لا نريد أن تكون النظرة الإصلاحية بل نريدها تصالحية لأن الإصلاح في منظوري يحمل معاني فوقية وزجرية واستعلائية خصوصا إن كانت الموضوعات هم الشباب او المراهقين أو الكبار لأنه يخلق نوعا من التمرد والشعور بالدونية والقهرية .فماهو معمول به والذي يدخل في اطار ماهو أمني أو مؤسساتي نتحدث هنا عن الإصلاحيات والسجون والتي يمكن أن نعتبرها “اخر الدواء الكي” أي أن هذه المؤسسات الاجتماعية أو حتى النفسية كالمستشفيات تقوم بهذه الأدوار بعد استغراق الموضوعات في تمظهراتها غير المرغوب فيها ، والتي يكون فيها إيذاء للنفس أو الغير أو هما معا ، وهذا ليس حديثي في هذا المقال لأنه له ضوابط قانونية وصحية خاصة.
حديثي عن مفهوم التصالح يحيلنا على البعد الاستباقي ، أي قبل بروز الظواهر الاجتماعية في أعنف تمظهراتها ليكون مبررا لتدخل قوة الردع القانونية.
فالتصالح بعني انخراط الكل مع الكل لمساهم في خلق التعديل السلوكي بانخراط الجميع ، فالكل فاعل لا وجود فيه للموضوعات بمفهومها التجريبي الخاضعة للدراسة بل الموضوعات باعتبارها بناء ومكونا من مكونات المجتمع لها حقوق و وواجبات وكرامة.
وهذا لن يتأتى إلا من خلال فتح نقاش بين مكونات المجتمع المدني وكل القطاعات المعنية التعليم-التكوين-الثقافة-الرياضة-الاسرة والتضامن .. وغيرها من القطاعات الكفيلة بالإعداد التنظيمي واللوجيستيكي لخلق مكاشفة اجتماعية تؤدي بالفعل النفسي الاجتماعي الى التصالح الاجتماعية.