حفصة الإدريسي: صدق يضيء بين باريس وجنيف.

بقلم: إبراهيم بن مدان.
في زمن يتسابق فيه الكثيرون نحو الأضواء، تختار حفصة الإدريسي أن تسير عكس التيار: بصدق لا يعلو صوته، لكنه يُسمع. بين خشبة المسرح وعدسة الكاميرا، بين باريس النابضة بالحياة وجنيف الهادئة، تشقّ هذه الفنانة والمخرجة المغربية طريقها بخطى ثابتة، لا تلهث خلف الشهرة، بل تصنع مجدها الخاص بهدوء وتأمل.
تقول حفصة: “أنا إنسانة قبل كل شيء. مرهفة الإحساس، قوية وقت اللزوم، وعاشقة للفن لأنه كان دائماً ملجأي وسلاحي. بعيداً عن الأضواء، أنا أخت، صديقة، وبنت تحب الحياة، الطبيعة، واللحظات اللي فيها صدق وأصالة.”
استقرت حفصة في سويسرا، حيث وجدت في هذا البلد مرآة لروحها الهادئة والمتزنة. تصف تجربتها في فرنسا بمحطة غنية درّستها الكثير وفتحت أمامها أبواب النجاح، لكنها تعتبر سويسرا البيت الذي تعود إليه دائمًا، وهناك بدأت مغامراتها الفنية الجديدة، بخطوات مستقلة ونظرة ناضجة.
ورغم ابتعادها الجغرافي، لم تغادر حفصة المغرب من قلبها. العودة لم تكن انسحابًا، بل إعادة تموضع: “رجوعي للمغرب ما كانش قرار مهني فقط، كان قرار من القلب. كنت محتاجة نكون قريبة من الناس اللي كيحبوني، ونقدّم فنّ فيه بصمتي وهويتي المغربية. رجوعي ما كانش هروب، بل عودة بحب وشغف أكبر.”
وعندما يُطرح عليها سؤال متكرر عن مكان وجود الفرص الحقيقية للفنان المغربي، تجيب ببساطة الخبيرة: “الفرص موجودة في كل مكان، لكن البيئة والدعم هما الفرق. فرنسا منفتحة على الطاقات، والمغرب فيه مواهب مذهلة تستحق الاحتضان. الفنان الصادق يلقى طريقه، أينما كان.”
حفصة لا تقيس نجاحها بالأضواء، بل بعمق التجربة. شاركت في أعمال سينمائية أوروبية لقيت صدى واسع، من بينها فيلم “The Holiday” المستلهم من مشاعر واقعية، وفيلمها كمخرجة “Der heiliger Tag” الذي فاز بعدة جوائز وأثبت حضورها خلف الكاميرا. كما تألقت على المسرح السويسري بدور صحفية من New York Times، قدّمت فيه صورة معاصرة وراقية للمرأة المغربية: قوية، حرة، وصادقة.
وعن مفاهيم الجمال والنجومية، ترى حفصة الأمور بعمق: “الجمال قد يفتح الباب، لكن الموهبة والصدق هما اللي يخلّيك تبقى. الكاميرا ترى كل شيء… ترى حتى الصمت.”
ولا تخفي مواقفها من الأدوار الجريئة: “أنا ضد توظيف الجسد كأداة استعراض. ممكن أؤدي أدوارًا جريئة على المستوى الفكري أو النفسي، لكن دون المساس بكرامتي أو راحتي كإنسانة. الجرأة الحقيقية هي أنك تعرف تقول (لا)، حتى لما يكون (نعم) هو الأسهل.”
بعيدًا عن الفن، تظل حفصة تلك الفتاة البسيطة، العاشقة للطبيعة، التي تكتب وتغني وتقدّر اللحظات الصامتة. “أعيش توازنًا بين العالم اللي قدّام الكاميرا، والعالم الداخلي اللي فيه طفولتي، كتاباتي، وأغنياتي اللي ما يسمعها غير أنا.”
ربما سرّ حفصة لا يكمن في مسيرتها فقط، بل في إنسانيتها التي ظلّت وفية لنفسها. هي فنانة لا تسعى للضوء… بل تضيء بما تقدّمه.