جيل جديد من برامج التنمية الترابية: نحو تثمين الخصوصيات المحلية وإعادة التوازن المجالي.

بقلم: محمد الطبيب/ عضو الهيئة التنفيذية لجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان
في سياق التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب، بدأ يتبلور جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يتجاوز المقاربات التقليدية المبنية على منطق “المشاريع الجاهزة من المركز”، نحو مقاربات جديدة تضع في صلب اهتمامها الخصوصيات المحلية، ورهانات العدالة المجالية، والمشاركة المواطنة.
هذا التحول، الذي تعكسه العديد من البرامج الحكومية والجهوية الجديدة، يستجيب لمطلب طالما نادت به الحركة الحقوقية والتنموية في المغرب: ألا تنمية دون معرفة دقيقة بواقع كل مجال، وألا سياسات عمومية دون إشراك فعلي لساكنته.
الخصوصية المحلية: مفتاح التخطيط الترابي الجديد
من أبرز مظاهر هذا التحول:
الانتقال من مقاربة فوقية إلى مقاربة تشاركية، تنطلق من تشخيص محلي دقيق لحاجيات وأولويات كل جماعة وجهة.
الاعتراف بالاختلافات الجغرافية، الثقافية، والاقتصادية بين المناطق، وتكييف البرامج العمومية تبعا لذلك.
إدماج الفاعلين المحليين: الجماعات الترابية، جمعيات المجتمع المدني، التعاونيات، والمقاولين الشباب.
في هذا الإطار، لم يعد الحديث فقط عن “تنمية القرى” أو “تهيئة المدن”، بل عن تثمين ما يميز كل منطقة: تراثها، مواردها الطبيعية، رأسمالها البشري، ونسيجها المجتمعي.
منطق الحقوق لا منطق الصدقات
الجيل الجديد من برامج التنمية يجب ألا يقتصر على تحقيق مؤشرات تقنية (كالماء، الكهرباء، الطرق)، بل أن يبنى على مقاربة حقوقية تضمن:
الحق في التنمية المتكافئة بين المناطق.
الحق في المشاركة في بلورة المشاريع وتقييمها.
الحق في الاستفادة العادلة من الثروات والمشاريع.
بمعنى أوضح: لا يكفي أن تبنى البنية التحتية، بل يجب أن يشعر المواطن أن له فيها نصيب وقرار.
رهانات العدالة المجالية
المغرب لا يمكن أن يواصل السير بسرعتين: واحدة في محور الرباط-الدار البيضاء، وأخرى في هوامش الأطلس والجنوب الشرقي.
وهو ما يجعل من الضروري:
توجيه الاستثمارات نحو الجهات المهمشة.
مراجعة نماذج توزيع التمويل العمومي.
دعم اللامركزية واللاتمركز الإداري والمالي.
هذه التحولات لا بد أن تواكبها منظومة تقييم شفافة ومؤشرات لقياس الأثر الاجتماعي والمجالي لكل برنامج.
النساء والشباب: فاعلون لا مستفيدون فقط
في صلب هذا الجيل الجديد من البرامج، هناك وعي متزايد بأن إشراك النساء والشباب لم يعد خيارا بل ضرورة.
الحديث عن “التمكين الاقتصادي للنساء” أو “تحفيز الشباب المقاول” يجب أن يترجم إلى:
سياسات محلية تضمن تكافؤ الفرص.
أدوات تمويل مرنة وموجهة.
فضاءات تشاركية حقيقية داخل المجالس والمؤسسات المحلية.
بالمختصر المفيد:
نحن بحاجة إلى تعاقد ترابي جديد، يجعل من المواطن فاعلا وليس متلقيا، ومن المجال المحلي مصدرا للحلول لا فقط مسرحا للتنزيل.
جيل جديد من برامج التنمية يعني تجاوز منطق “نسخ ولصق المشاريع” نحو منطق “كل منطقة بحلولها المبتكرة وبمواطنيها الفاعلين”.
إن رهان التنمية الترابية هو رهان على مستقبل الإنصاف والاستقرار الاجتماعي، ولا يمكن أن يكسب إلا بإدماج فعلي لكل الطاقات المحلية، وباحترام حقيقي للخصوصيات المجالية.