فن وثقافةقراءة في كتاب

قراءة نقدية لمسرحية “عودة إيطو” نص بديعة الراضي ودراماتورجيا وإخراج محمد زيات.

بقلم العربي الدوش

 

مسرحية “عودة إيطو” هي عمل فني يمثل تجربة مغربية مميزة على مستوى النص والإخراج، حيث يتناغم فيها الأدب المسرحي مع الأداء والدراماتورجيا. العمل من تأليف بديعة الراضي، ومن إخراج محمد زيات، وهي مسرحية تتمحور حول قضايا الهوية، العودة، والتحولات الاجتماعية في سياق مغربي معاصر.

1. النص:

 

بديعة الراضي تميزت في مسرحيتها هذه بتقديم نص درامي يجمع بين التوتر النفسي والشعبي. حيث تتناول قضايا عودة ايطو المنبعثة من تحت التراب ورودا، وفقدان الهوية، وملامح التغيرات التي تطرأ على الفرد والمجتمع .

اللغة: اللغة في “عودة إيطو” تجمع بين الفصحى لغة شاعرية ولغة ممسرحة، وهو ما يعكس الواقع الاجتماعي المغربي المعاصر. تستخدم الراضي هذه اللغة كأداة لتكثيف المشاعر والانفعالات، بالإضافة إلى أنها وسيلة للتواصل السلس بين الشخصيات والجمهور.

المواضيع: المسرحية تتناول موضوعات ذات طابع إنساني عالمي، مثل “العودة إلى الوطن” و”التحولات الثقافية” و”الاندماج في مجتمع مزدوج”. يتم التعبير عن تلك الموضوعات بعمق وشاعرية، مما يتيح للجمهور ربط الأحداث بمواقفهم الشخصية.

الشخصيات: الشخصية الرئيسية “إيطو” تمثل نموذج الشخص الذي يعود إلى وطنه بعد فترة من الابعاد ومن خلال الصراع الداخلي والخارجي لهذه الشخصية، يُعالج النص موضوعات مثل الاغتراب، والتغيرات في العلاقة مع المكان والأشخاص بعد العزلة.

 

2. الدرما والدراماتورجيا:

 

محمد زيات، من خلال رؤيته الإخراجية، نجح في تقديم المسرحية بأسلوب دراماتورجي يعزز من طاقة الأداء ويكثف الإحساس بالمعاناة والتوتر الذي يعيشه بطل المسرحية.

البناء الدرامي: البناء الدرامي متقن، حيث تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، مما يبني التوتر ويجعل الجمهور ينتظر لحظة الذروة. لحظة العودة تُعتبر محور العمل، حيث يتم التركيز على ما يواجهه الفرد العائد من صدمات ومفاجآت.

الرمزية: المسرحية تحمل في طياتها رمزية قوية؛ فعلى سبيل المثال، “إيطو” يمثل الشخص العائد من الخارج الذي يحاول البحث عن مكانه في مجتمع تغير بشكل جذري.

 

المؤثرات البصرية: الأداء المسرحي يتكامل مع المؤثرات البصرية مثل الإضاءة، التي تُستخدم لتحديد اللحظات المهمة، وتعزيز الإحساس بالانعزال أو الاندماج.

 

 

3. الإخراج:

 

إخراج محمد زيات في “عودة إيطو” تميز بالقدرة على التحكم في أجواء المسرحية، وتوجيه الشخصيات بطريقة تعكس التوتر الداخلي. استخدامه للأماكن المحدودة والمكثفة في المسرح يعكس الضغوط النفسية والاقتصادية التي يشعر بها العائدون من الغربة.

 

التمثيل: التوجيه التمثيلي كان متقنًا، حيث استطاع الممثلون أن يبرزوا التناقضات داخل الشخصيات بشكل مؤثر. الأداء العاطفي كان يعكس صراع الهوية والتاريخ الشخصي، مما جعل الجمهور يتفاعل مع الأحداث.

 

التقنيات المسرحية: استخدام الحركات الجسدية كان جزءًا مهمًا في تعبير الشخصيات عن مشاعرها المتناقضة. كما كان هناك تناغم بين الممثلين والمكان، مما ساعد في بناء صورة ذهنية لعودة “إيطو” وأثرها على محيطه.

 

 

4. التفاعل مع الجمهور:

 

على الرغم من أن المسرحية تتناول مواضيع حساسة، إلا أن محمد زيات تمكن من جعل الجمهور يتفاعل بشكل عاطفي مع الأحداث، حيث تجسد الصراع في داخل الشخصيات وفي العلاقات بين الناس. كانت هناك لحظات من التوتر التام التي جعلت الجمهور يظل على حافة مقاعده طوال العرض.

 

الخلاصة:

 

مسرحية “عودة إيطو” هي عمل مسرحي متكامل يجمع بين النص العميق والإخراج المدروس. تتمثل قوتها في قدرتها على تناول موضوعات مهمة ومعاصرة بأسلوب فني بديع، حيث يجسد الصراع الداخلي للشخصية وتحديات العودة إلى الوطن بعد الغربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock