فن وثقافة

من يوميات معلمة في نواحي “كرامة”(5)

فاضمة موحى.
انظر إلى مقعده الشاغر وتترقرق في عيني الدموع، توحشتك بزاف رضا الله يرحمك ويوسع عليك. استرجع كلماته المتقطعة، عربيته الركيكة التي يغلب عليها الطابع الامازيغي. ماهي أمنية كل واحد فيكم في المستقبل؟ أو بمعنى آخر بعدما تعسر عليهم فهم السؤال ،فهم تلاميذ صف أول وثاني وبعض المستمعين لاتزال اللهجة الدارجة صعبة عليهم فما بالك بعربية فصحى.

اش كتمناو تكونو في المستقبل؟ ليتسابق الجميع في الجواب، سادة سادة، محمد: أنا بغيت نكون مقدم بحال عمي حماد المقدم ، ليضحك باقي التلاميذ، وعلاش بغيتي تكون مقدم، واش يعجبك توزيع رسائل امحمد؟ يجيب في براءة سادة المقدم حماد عندو موتور عطاهلو المخزن كيدور به في اغرم، وأنا بغيت يكون عندي موتور بحالو. وانت عزيز؟ انا بغيت نكون فرملي، قاطعته، يعني ممرض، ولماذا؟ أجابني في حزن “باحلو مريض مشلول كيجي داك فرملي عمي لحسن كل مرة من كرامة يعبر ليه طانسيون، ويضربليه شوكة، وأنا بغيت نكون ممرض بحال عمي لحسن”، مزيان، طونسيون هو ضغط، شوكة هي الحقنة.

وانت صفية ،تضحك صفية فهي أكبر تلميذة في القسم دخلت الدراسة متأخرة كما أنها بدينة لتقول: “اسادة انا بغيت نكون بحال بنت خالي هنو؟ استفسرتها كيف ذلك لتجيبني هنو خدامة فدار بيضا، عند الناس كتجي عندنا فلعيد،كتجيب حوايج لخالتي ولباها وخوها وحتى انا. وتجيب لنا حلوات، لعبات، مسكات،و شكلاط بزاف.حتى أنا بغيت نكبر نمشي دار بيضا نجيب حوايج وشكلاط …

أدهشني جوابها مسكينة، أنت يا صفية لو تعلمين تكرفيص خدمة البيوت وتمارا اللي كضرب هنو من دار لدار، أيتها الطفلة الساذجة البريئة، ليقول سفيان: “أنا بغيت نكون عسكري، يعني جندي ولماذا، هل تحب الدفاع عن الوطن اجابني في حماس: “اسادة عمي حمو عسكري فالصحراء كيجي يعطينا فلوس، يدينا سوق يشري لنا حوايج، كل مرة يتزوج ويطلق، ضحك التلاميذ سفيان بغى يتزوج اسادة لينفجر الجميع في الضحك…

ضحا تقول أنا بغيت نكبر نحلب تفونست،نبيع اغو وحليب، ويكون عندي افلوسن بزاف، استغربت حلمها لتفسر لي اسادة بغيت نكون بحال جارتنا مايطو، وكيف ذلك ضحى؟سادة راه ما يطو كتبيع البيض، اغو حليب فسوق وحتى هنا، وكل مرة تعيطلي نحسب لها صرف، سادة عندها فلوس بزاف، بزاف، كتعمر صرف فدوك الحوكن ديال نيدو، وحق الله اسادة…

عجيب أمر هؤلاء يتاثرون فقط بما يشاهدون ويعيشون ويبقى طموحهم محدود، فهم في عالم مغلق، لتخبرني لبنى عن أمنيتها: “سادة فاش نكبر أنا يكون عندي ارياز”، هكذا تقول يما، لينفجر الجميع بالضحك لبنى بغات تتزوج اوسادة، يكون عندها ارياز، وكيف ذلك لبنى؟ نعم راه فاش كنبغي شي حاجة كتقولي يما ملي تكبري يكون عندك ارياز اشريلك اللي بغيتي، يشري لك اقشابن، اكوربين، ادبليجن، اود، تكشيطة، غادي يكون عندك امغار تمغارت،صافي مابقيت كندابز،مع ختي وخويا صغار على حوايج، وتحبيزوتين، حيت فاش نكبر غادي يجيبلي ارياز كلشي…

يا الهي، لا طبيب ولا مهندس ولا معلم ،حتى مصطفى يتمنى أن يصبح شيفور، يعني سائق، يا مصطفى، آه اوسادة سائق بحال عمي مولاي علي، نسافر كرامة، ريش، رشيدية، نتمنى نمشي رباط، ندي كاع المرضى اللي هنا لسبيطارات،، وأنت رضا؟ سادة أنا بغيت نكون صياد؟؟آه رضا حتى أمنيتك كان لها هدف فأنت تحمل هموما أكبر من سنك ومسؤوليات، وتنظر إلى الأشياء دوما بشكل مختلف، صياد كيف ولماذا رضا؟

سادة أنا كنتمنى نكون صياد باش نقتل الحلوف، ضحك التلاميذ مجددا، وأنا أطلب منه تفسيرا، الحلوف يعني خنزير يا رضا ليكمل “واييه اسادة، بغيت نكون صياد عندي بوحبا”، يعني بندقية يا رضا ماذا ستصطاد بها؟ “غادي نقتل حلوف راه كيخسر لنا الفدادن سادة، ما خلى ذرة ولا لوبية ولا والو، كتبقى فيا خالتي حادة مسكينة،عيات ما تحرث وتشرب فدادنها بليل ونهار، ودارت لانكري والغبار وفتالي جا الحلوف ولد حرام كلالها ذرة خسر لها كلش،كيوطالها على ذرة، وهرس دوك اكعمازن ذرة وشفتها كتبكي وماقدر حد يقتلو، ولد الحرام داك حلوف اوسادة”،”أنا كنتمنى نقتلوا”…

طفولة وأحلام بريئتين ومحدودتان، حديث رضا أعاد إلى ذهني صورة قشو زوجة عمي الحبيب مول القهوة، وهي تحكي لي ذات يوم عن شكايات أهل اغرم إلى المقدم عن وجود الحلوف في الواد، والخسائر التي الحقها بمحصول الذرة، لوبيا وغيرها، حيث يحلو له كل ليلة التجوال في الفدادين واتلاف المحصول، كما أصبحو يخافون الذهاب إلى الحقول في الصباح الباكر خوفا أن يبطش بهم إذا صادفوه، فهناك من شاهده من بعيد ،حيث يجدون آثار حوافره وفضلاته وسط الحقول.

الاضرار كبيرة تنتج عن إتلاف المحاصيل، مما جعل المقدم يخبر السلطات مرارا وتكرارا، واعلام الفلاحة أيضا دون جدوى، لتتطوع إحدى جمعيات الصيد بتنسيق مع السلطات في آخر المطاف،والمجئ إلى اغرم ذات صباح مصحوبة بالكلاب والصيادين بحثا عن الحلوف للقضاء عليه. لكن لسوء الحظ المقدم وأهل اغرم قامو بواجب الضيافة وإعداد الفطور للضيوف،مما تعذر عليهم تنفيذ المأمورية باكرا،فوليمة الفطور جعلتهم يتاخرون في البحث عن الحلوف،والوقت المناسب للعثور عليه يكون فجرا قبل أن يختفي طول النهار ،لكن رحلة البحث انطلقت،ظهرا بعد الترحيب بالوفد،والقيام بواجب الكرم والضيافة وكان الوقت حينها اي وقت تصيد الحلوف والعثور عليه قد فات.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock