الجزء الثاني من مذكرات (أوراق من ذاكرة متمردة) خصص لعلاقة الصحفي عبد النبي الشراط مع السيد حميد شباط

حميد شباط عمدة فاس الأسبق ونائب برلماني سابق. الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. الأمين العام السابق لحزب الاستقلال.
فيما يلي الكلمات الختامية لهذا الكتاب الذي يوجد الٱن قيد المراجعة اللغوية ومنها للمطبعة بمشيئة الله.

في محكمة الاستئناف لم تتاخر القضية كثيرا ولم تتعدى ثلاث أو أربع جلسات، لقد حضر دفاعي الأستاذ عزيز سويطط في الجلسات اللاحقة، وكنا دائما نتفق معا، من سيتطرق لهذا الموضوع أوذاك، كنا نقسم المهام بيننا، وما أرفضه أنا قد يقبله هو بناء على اتفاق، ومثال ذلك.. حينما تعذر إحضار الشاهدين:
( م. و- ر.) اللذان كانا متدربان بجريدة (غربال القروبين).
وبينما فشل دفاع شباط في إبلاغهما أو التأكد من عدم وجودهما، اقترح دفاعي على المحكمة أن يتكفل هو بتبليغهما على نفقته، بواسطة مفوض قضائي، وكنت قبل ذلك رفضت مساعدة الأستاذ تشيش في تبليغهما على اعتبار أنني أعلم مكان عمل كل واحد منهما، حيث كان (م.) قد التحق بسلك التعليم بمدينة مراكش، بينما كانت (ر،) بدورها التحقت بنفس المهنة في بني ملال.
دفاعي الأستاذ سويطط تكلف بتبليغ الشاهدان اللذان كانا من المفترض أن يشهدا لصالح الخصم، لكن ثبت أنهما لم يعودا يقطنان بمدينة فاس.
في الجلسة الأخيرة حضّٓـر الأستاذ تشيش جيدا للدفاع عن موكله حميد شباط، وطلب استجوابي فوافقت لكن دفاعي نبهني أن زميله يحمل ملفا ضخما وكتب عليه إسم المقاولة التي كانت تمول جريدة غربال القروبين.
السيد رئيس الجلسة خاطبني: انت جاهز للإجابة عن الأسئلة؟ رديت عليه نعم أنا جاهزي سيدي ..
حوالي 20 دقيقة أو أكثر من السؤال والجواب كنت أجيب بطلاقة شديدة ولم أتوقف.. لكن ثمة سؤالا جعلني أتمهل كثيرا في الرد، ويتعلق بموضوع المقاولة المذكورة..
لقد لاحظ السيد رئيس الجلسة أنني تأخرت في الرد فكلمني قائلا: (إيوا رد على سؤال الأستاذ) ابتسمت وقلت للسيد القاضي: الحقيقة أنا لم أعجز عن الرد على سؤال الأستاذ تشيش، لكنني أرى أنه من مصلحة موكله ألا يثير موضوع المقاولة، لأن هذا الأمر سيضر به هو وليس أنا.. لأن هناك تفاصيل وخفايا – مستعد لإثارتها- لكن بشرط.. أن يقبل الأستاذ تشيش نتائجها وهي حتما ليست في مصلحة السيد حميد شباط..
وأضفت: إن هذا الملف سيجر الكثيرين للمحكمة، لأن هذا الملف معقد وشائك وسيطول بنا الزمن هنا لشرحه، وأنا تعمدت عدم إقحام هذه المقاولة في الدعوى منذ بدايتها.. فتوجه السيد الرئيس بسؤال للأستاذ تشيش: ما رأيك أستاذ؟
وكان جوابه أن لملم ملف المقاولة الضخم واكتفى بالصمت.. فقرر السيد رئيس الجلسة إدخال القضية للمداولة والنطق بالحكم لاحقا ..
تصادف موعد تاريخ النطق بالحكم مع إحالة القاضي على التقاعد، ولكن الذي أخلفه رأى أن الملف جاهز فتصرف بناء على الأقوال والتصريحات والمستندات وما تطرق له الحكم الابتدائي الذي كان لصالحنا فأكد السيد القاضي الجديد منطوق الحكم الابتدائي وأصدر قرارا بتأييده..
وهنا انتهى دور المحكمة..
لكن كيف يمكن تنفيذ حكم بمبلغ يقترب من 14 مليون سنتيم (حوالي 14 ألف دولار) على حميد شباط الذي كان حينئذ يشغل المناصب والمهام التالية:
أمين لأكبر واقدم حزب سياسي في المغرب (حزب الاستقلال)
الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (الذراع النقابي القوي لنفس الحزب)
نائب برلماني
عمدة مدينة عمرها 12 قرنا (مدينة فاس)
هذا بالإضافة لذراعه الطويل وعلاقاته مع المسؤولين في الدولة؟
كيف يستطيع (عبد النبي الشراط) وهو مجرد صحفي، لا يملك مالا ولا علاقات ولا سلطة ولا تدخلات حتى؟
الكثيرون بدأوا يسخرون من الشراط الذي ضيع ثلاث سنوات وتزيد في المحاكم ورغم أن القضاء انصفه.. لكن ما السبيل لتنفيذ الحكم ؟
نعم استطعنا تنفيذ الحكم بالطريقة التالية:
في البداية وجد دفاعي صعوبة في العثور على مفوض قضائي ليبلغ الحكم إلى (البعبع) شباط.. فأغلب المفوضين القضائيين بمدينة فاس امتنعوا عن المهمة.. لكن الأستاذ عزيز سويطط لم يستسلم وكان الموضوع بالنسبة له تحدي.. فأصر على مواصلة المشوار حتى عثر على مفوض واحد من ضمن العشرات الذين رفضوا المهمة.. هو الأستاذ…….
وبدأنا رحلة شاقة لكنها لم تدم طويلا .. فكيف خططنا لمرحلة التنفيذ؟
ذاك هو السؤال الصعب في هذه الحلقة الطويلة من المتاعب النفسية والفكرية والمادية !
المرحلة الأولى:
تنقلت لمدينة فاس وكنت على موعد مع دفاعي وفي نفس الوقت اصطحب معه المفوض القضائي، اتجه هذا الأخير أولا لبيت شباط الأول والثاني بحي بن سودة بفاس، كان البيت الأول مغلقا، بينما البيت الثاني كان يوجد به أشخاص لعل أحدهما من عائلة زوج حميد شباط الذي ابلغه المفوض القضائي بفحوى القضية وطلب منه أن ينقل ذلك للسيد شباط في أقرب وقت، بينما زوج شباط كانت حينئذ توجد في رحلة عمرة للديار المقدسة رفقة عشرات النساء وعلى حسابها الخاص طبعا.. كانت سيدة شباط الأولى تعودت على السفر للحرم المكي كل سنة.. رفقة (وصيفاتها)..
وبعد هذا الإجراء انتقلنا لمقر بلدية فاس، حيث رفضت سكرتيرة شباط التوصل بالحكم على أساس أنه شخصي ولا علاقة له بمجلس المدينة، وأُ بلغت من طرف المفوض القضائي أنه يعرف ذلك لكن من واجب الإخبار فقط أن تنقل له التفاصيل التي سلمها لها مكتوبة..
بعد ذلك قيل لنا أن شباط يملك فيلا ومزرعة ضخمة في منطقة طريق (أيموزار) فيحثنا عنها فوجدناها فارغة وأبوابها مغلقة بإحكام..
كان التعب والجوع قد بلغا منا مبلغهما فتناولنا وجبة غذاء جماعية بأحد المطاعم بطريق أيموزار..
في المرحلة اللاحقة لكل هذه الإجراءات كان لدينا اقتراح.. وهو: أن ننقل طريقة تبليغ الحكم للرياط وطلبت من الأستاذ عزيز سويطط عمل الإجراءات اللازمة لنقل مسطرة التبليغ من مدينة فاس لمدينة الرياط ونبلغ السيد شباط إما بمقر الحزب أو بداخل البرلمان خلال إحدى الجلسات الخاصة بمجلس النواب حين يكون شباط حاضرا بها.
قبل تنفيذ هذه الخطة سعيت شخصيا للاتصال بأحد القياديين في نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وطلبت منه أن ينقل لحميد شباط الرسالة الشفوية التالية وتتضمن فقرتين:
الأولى، أننا مستعدون لتبليغ شباط منطوق قرار محكمة الاستئناف لمقر الحزب أو بداخل مجلس النواب.
الثانية، (في حالة فشل الأولى) أنني جاهز لكي أعلن عن اعتصام مفتوح بباب مقر حزب الاستقلال مع ما يتطلب الأمر من استدعاء وسائل الإعلام المغربية والأجنبية المعتمدة بالمغرب وأحضر لافتة مكتوب عليها: من يحكم المغرب؟
لماذا يرفض حميد شباط الأمين للعام لحزب الاستقلال والكاتب العام لنقابة الاتحام العام للشغالين بالمغرب ويدعي دفاعه عن المواطنين داخل قبة البرلمان، و… بينما يرفض تنفيذ حكم قضائي صدر ضده لفائدة أجير كان يعمل عنده صحافيا..؟
والحقيقة أن الشخص الذي كلفته بتبليغ هذه الرسالة بلغها بأمانة لمدير حزب الاستقلال..
بعد يومين وصلتني رسالة لطيفة عبر وات ساب من حميد شباط ونصها:
أهلا الرئيس (كان عادة يخاطبني بهذه الصفة)
رديت عليه.. من معي لطفا؟
أجاب: حميد شباط هل نسيت رقمي ؟
نعم لم يعد مسجلا لدي..
أضاف: لا تقلق سوف نسوي الموضوع قريبا..
منحته ثلاثة أيام .. قبل أن أنفذ ما وعدت به..
بعد يومين من هذه المحادثة على وات ساب وكان يوم أحد، اتصل بي الأستاذ عزيز سويطط متسائلا.. هل تحتاج فلوس ؟
أجبته طبعا.. لكن أين هي ؟ وكنت أعتقد أن الأستاذ يمازحني.. لكنه كان جادا..
إذ أبلغني أن دفاع شباط سوى معه الموضوع نهائيا وسلمه المبلغ الذي قضت به المحكمة بعد أن خصم منه 500 درهم .. وسلمه
و سلمه دفاعي تنازلا عن التنفيذ القضائئ، طبعا طرت لمدينة فاس في ذات اليوم.. وسلمني دفاعي المبلغ بعد أن خصم منه طبعا أتعابه وبقية المصاريف وانتهت القصة على هذا النحو..