بعد أوبريت النبي يوسف ربيع الإدريسي يستعد لإنجاز عمل مسرحي جديد عن النبي موسى

الكاتب الصحفي عبد النبي الشراط
هل الفن يتعارض مع القرآن؟ وهل يوجد في القرآن الكريم ما يحرم الفن بشكل عام؟
طيلة قرون والصراع قائم بين أهل الفقه وأهل الفن.. فالطرف الأول يقول بتحريم الفن بكل أشكاله بينما يقول الطرف الثاني أنه لا يوجد في الدين ما يحرم الفن، الفقهاء يدخلون ضمن قائمة التحريم الاختلاط بين الرجال والنساء في الأعمال الفنية والدرامية، بينما لا نجد في القرآن الكريم ما يحرم هذا الاختلاط على الإطلاق، ولعل الفقهاء أرادوا أن يؤسسوا لدين جديد انطلاقا من وضعهم الاعتباري لدى الحكام وبين أوساط المجتمع..

فالفقيه دائما ينظر إليه على أنه قديس ومنزه عن الأخطاء (وهذا نجده في كل الأديان وليس الإسلام فقط) ففي المسيحية هناك آباء ورهبان وقساوسة لا يعلوا على كلامهم أي كلام آخر، وفي الإسلام عندنا فقهاء و(علماء دين) نحو نفس المنحى، حتى أنهم يمنعون عن بقية الناس الاجتهاد والتدبر واستخدام العقل لأنهم (أي الفقهاء) يرون أنفسهم ورثة الأنبياء بالتالي هم من يحتكرون الدين وهم من يجب أن يفسروه لبقية الناس، ولذلك تجمدت عقول الناس وتوقفوا عن التفكير والتدبر ومنحوا عقولهم للآخرين كي يفكروا نيابة عنهم.

الفقهاء طيلة قرون مضت وهم يتحدثون نيابة عن الله ويفتون الناس باسم الله ويحرمون على الناس استخدام عقولهم تحت مسمى: أنهم ورثة الأنبياء وأنهم وحدهم يستطيعون فهم الدين، ولذلك اخترعوا الكثير من الأقاويل والمسميات ونسبوها للدين، بينما غيرهم حتى لو كانوا علماء الذرة ومثقفين ومفكرين لا يحق لهم التفكير وتدبر آيات الله في الكون رغم أنهم هم المؤهلون لهذه المهمة وليس من يدعون النيابة عن الله.
من الأمور التي (شرعها الفقهاء) على سبيل المثال فن (النحت).
فمثلا النحت أو التماثيل يحرمها ( العلماء المسلمون ) جملة وتفصيلا.هاته التماثيل ذكرها الله في القرآن حيث أن نبي الله سليمان كانت تصنع له التماثيل امام عينيه وهو نبي من أنبياء الله، فهل يعقل أن يكون ( فقهاء ) اليوم أكثر حرصا على دين الله من نبي اختاره الله على علم وبينة وحكمة ؟؟

التماثيل هي مجسمات ثلاثية الأبعاد ، إذا عُبدت تسمى صنما وإذا صنعت للزينة أو للتعليم فهي تمثال فمثلا في آسيا المنحوتات الكبيرة هي عبارة عن كتب حجرية في علم الطب وعلماء الطاقة الحيوية يعرفون ذلك. من خلال المسايير الطاقيه الموجودة في تلك التماثيل التي يحسبها الذي لم يفقه تاريخ البشرية ولم يلم بالعلوم ودلالة الرموز أنها صنعت لتعبد من دون الله.
والإشكال في تحريم الفنون يعيق تطور المجتمعات فتحريم النحت مثلا حرم أجيالا من دخول عالم الصناعات الثقيله والخفيفة لأن النحث يجعل الصانع قادر على محاكاة أي شكل في الطبيعه سواء كان طائرا أو حوتا .. وجميع الٱلات الصناعيه ماهي إلا محاكاة للطبيعة فالغواصه محاكاة للحوت العملاق والطائره مثال للطائر والمصورة محاكاة للعين والأمثلة لا تحصى.
الٱن القادة في كل بلدان العالم يبحثون عن المبدعين في كل مجال والفن هو الذي يستطيع كسر المعتاد والجمع بين الماضي السحيق واستشراف المستقبل البعيد بذوق علوي جميل.
ولقد بالغت الطائفة الإخوانية في تشديد تحريم الفن حتى سمي عندهم من الموبقات ونسوا أن الفن بكافة أصنافه إنما هو رسالة إنسانية (لا نتحدث هنا عن الميوعة) ، بل نتحدث عن الفن الإنساني الراقي الذي يقدم للناس لتقريب فكرة ما أو تبليغ رسالة ما، وهو ما ينطبق على الكثير من الأعمال الفنية والمسرحية منها بالخصوص.
في فترة ما كان المغاربة مقبلون على التعايش مع (حكومة إسلامية) منتخبة، وكان ما يسمى بالربيع العربي مدخلا لهذه الحكومة التي تخوف منها الفنانين والممثلين والمطربين إستنادا لأدبيات الإخوان القائلة بتحريم الفن، ولقد تتبعنا حركة الإخوان بالمغرب حينما كانوا في المعارضة كيف شنوا حملة شعواء على مهرجان (موازين الدولي) الذي كان ينظم كل سنة بمدينة الرباط بمشاركة فنانين من مختلف أقطار العالم، بالإضافة إلى الإزعاج الذي كانوا يمارسونه على كل أنواع الفن بالمغرب ويعتبرونه مخالف لأصول الدين والشريعة، ولذلك حينما صعد الإخوان للحكم بالمغرب تخوف أهل الفن من ردة فعل الحكومة الجديدة التي كان جل أعضائها يحرمون كل شيء..
في تلك الفترة الانتقالية الفاصلة بين عهد وآخر، سعى المبدع والفنان المسرحي ـ ربيع الإدريسي ـ إلى إنجاز مسرحية إسلامية بعنوان: أوبريت (يوسف عليه السلام) وهو عمل مسرحي مميز وغير مسبوق إذ استند كليا إلى سورة يوسف الواردة في القرآن الكريم وتم تشخيص هذا العمل المسرحي من طرف مجموعة من الممثلين والممثلات الذين تقاسموا الأدوار في تشخيص مأساة النبي يوسف الذي سعى إخوته لقتله أولا ليخلوا لهم الجو، ولكي يرث أحدهم النبوة عن أبيهم النبي يعقوب عليه السلام، فاهتدوا إلى رميه في الجب وادعوا بعد ذلك أن الذئب قد أكله، لكن الله كان قد خطط قبلهم مصير يوسف الذي سيصبح لاحقا حاكما لمصر وعزيزها ومدبر أمر أهلها وإنقاذهم من السنوات العجاف التي كانت ستؤدي إلى هلاكهم، لولا حكمة يوسف وتعبيره لرؤيا الملك.. وبقية القصة معروفة ويحفظها الصغير والكبير في العالم الإسلامي.
مسرحية يوسف عليه السلام عمل دراماتورجي من إخراج الأستاذ ربيع الإدريسي الذي أراد من خلاله أن يوجه رسالة مشفرة للحكومة الجديدة وليؤكد لأعضائها أن الفن ليس حراما، بل على العكس من ذلك..
الفن يصقل موهبة الإنسان ويرتقي به للأعالي خاصة إذا كان هذا الفن أساسه هو الدين نفسه، الدين الذي جاء عبر الأنبياء والرسل لكافة الناس، وليس دين الفقهاء والشيوخ الذين طالما تربعوا على عرش وهمي تحت مسمى: (النيابة عن الله والتفكير بدل الناس) وكسائر الأعمال الفنية الجادة لم تلقى مسرحية النبي يوسف الدعم من الجهات الوصية على الثقافة بشكل عام والفن بشكل خاص، خاصة وقد تتبعنا مسلسل النبي يوسف الصديق الذي أنتجته إيران ورصدت له إمكانيات مالية ولوجستيكية كبيرة فصار هذا العمل (المسلسل) حديث العادي والبادي في العالم الإسلامي وخارجه.
وبالرغم من كل الصعوبات فإن الإدريسي يستعد هذه الأيام لإنجاز عمل مسرحي جديد عن النبي موسى عليه السلام تحت عنوان: (العصا الخالدة) في إشارة لعصا موسى النبي الذي شق بها البحر لينجي بني إسرائيل من عدوان فرعون وجبروته، وهي نفس العصا التي التهمت بقدرة الله ما تخيله الناس من سحر سحرة فرعون الذين جاؤوا خصيصا لمحاججة النبي موسى وألقوا حبلهم وعصيهم وقالوا (بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) لكن عصا موسى إلتهمت ما صنعوه وكانت الغلبة لموسى ونتج عنها استسلام السحرة لمشيئة الله وقدرته فأعلنوا إيمانهم برسال موسى عليه السلام.