ذكرى ومودة

عبد النبي الشراط /كرونو نيوز
طيلة سنة كاملة وهو ملتزم بزيارتي في سجن لعلو بالرباط كل أسبوع أو أسبوعين على الأقل، مع ما يتبع الزيارة من مواد غذائية وألبسة وكتب..
تعرفت عليه ضمن ٱخرين في اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماي مدينة الرباط نهاية سنة 1979.
عانى كثيرا جراء ذلك، فهو لا يزور سجينا عاديا وإنما يزور سجينا سياسيا..
الكثيرون لم يفعلوها..هو وحده فقط كان يفعلها..
كان يواجه بصرامة الدعاية المقلقة التي كان أتباع الشيخ عبد السلام ياسين ينشرونها بين الناس، وتتعلق بما أفتاه شيخهم رحمه الله حين اتهمني بالخروج من الإسلام وحكم علي بالكفر..
مضت سنة بشتائها وربيعها وخريفها وصيفها..لم يمل ولم يكل ولم يتعب..
في الأسابيع الأخيرة تغيب.. فافتقدته.. وقد تصورت أنه تعرض لمكروه أو حصل عليه ضغط..
في صباح يوم التاسع من شهر فبراير/ شُباط من سنة 1985 بحدود الساعة التاسعة صباحا، نودي علي برقمي.. كنا مجرد أرقام داخل السجن.. حان موعد الإفراج.. وتصورت كيف أغادر السجن دون أن أجد أحدا في انتظاري.. بكل تأكيد هذا أمر صعب على النفس..
غادرت البوابة الحديدية الكبيرة للسجن.. استنشقت هواء البحر الذي لا يبعد كثيرا عن مبنى السجن.. كذلك استنشقت رائحة تراب الأموات الذين يرقدون بجوار مبنى السجن أيضا..
كانت السماء ملبدة بغيوم جميلة، غيوم شهر شباط البارد.. كان برفقتي معتقلين ٱخرين كانت عائلاتهم تنتظرهم خارج سور السجن الذي بناه الفرنسيون.. حاولت تجاهلهم، لكن بعضهم أصر على إهدائي قبلة وتهنئتي بالسلامة.. لا أحد ينتظرني.. فجأة تراءى لي الصديق الوفي جدا عبد اللطيف گنيوي وبيده باقة ورد..
كان قد رتب كل شيء (الاستقبال والضيافة ونقود السفر لمسقط رأسي بمنطقة جبالة البعيدة عن الرباط).
اليوم سادس عشر رمضان المعظم 1442 ه، الموافق 29 أبريل سنة 2021 م، أهديته كتابي: (عقبات وأشواك) بمقر عمله بشارع محمد الخامس – الجزاء- بالرباط) وبطبيعة الحال يتضمن الكتاب لقطات إنسانية كبيرة تتعلق بعبد اللطيف.