رأسمالية الكوارث، كيف تجني “المصانع السرية” أرباحا طائلة من ويلات ومصائب العاملين بها.
د. عادل بن الحبيب/كرونو نيوز
فاجعة أخرى تنضاف إلى جملة من الفواجع التي تطل علينا كل يوم، مصرع 24 شخصا وسط مصنع سري للنسبج (عبارة عن مرأب في فيلا) بعد محاصرتهم من طرف مياه الأمطار بمدينة طنجة.
إنه غيض من فيض لقصص حزينة و مؤلمة ولدت من رحم الفقر ، الذي يضطر العاملات و العاملين الاشتغال في ظروف مهينة و عير آمنة ، تفتقر الى ابسط شروط السلامة خلف أسوار و أبواب يقال عنها انها سرية تخلف سنويا العديد من القتلى والجرحى والأضرار المادية الجسيمة.
فضيحة مزدوجة ،مصنع سري ؟ في اللغة العربية سري نعني بها شئ خَفِي غير ظاهر للعيان فهل ممكن ان نسمي مصنع يشتغل به عدد كبير من العاملين و العاملات و يحتوي على تجهيزات و آلات تشتغل صباح مساء و يخرج يوميا عدد هائل من المنتوجات عبر شاحنات، هل يمكن ان نطلق عليه مصنع سري؟
الفضيحة الثانية هي هشاشة البينة التحتية التي تعريها الامطار مع كل شتاء ، و للأسف هذه المرة الخسائر لم تكن مادية فقط و انما بشرية. فمن المسؤول ؟
لطاما أثير موضوع المصانع السرية المنتشرة في شمال المملكة، حيث أصبح مألوفا وجود وحدات صناعية يُقال إنها تشتغل وراء أعين السلطات، في الفيلات المعزولة والمرائب وفي الأحياء الهامشية. تستقبل هذه «المصانع» يوميا آلاف العاملين لا يتوفرون ولا على دليل واحد يثبت أنهم يعملون فيها، يتعرضون يوميا إلى برنامج «سلب الحقوق»، منهم من تبتر أصابعه ومنهم من يتعرض للسب ، ومنهم من يتعرض للإهانة و التحرش و الطرد.
في سنة 2019، بثت قناة “تيلي سينكو” الاسبانية تحقيقا سريا سلطت فيه الضوء عن ظروف العمل بمصانع النسيج في مدينة طنجة. ماتم التوصل اليه في التحقيق كان كارثيا، لكنه لم يزعزع المسؤولين والوزارة الوصية و لم يدفع بهم لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من هذه المصانع . التحقيق المصور الذي أنجزته القناة الخامسة الإسبانية وقف على عدة خروقات ، من قبيل ضيق أماكن العمل وانعدام الشروط الصحية و شروط السلامة بها ،استغلال العمال والعاملات مقابل أجوز زهيدة لا تتجاوز 500 درهم في الأسبوع.
الكوارث التي تقع في مصانع طنجة، وفي عدد كبير من المدن الكبرى، وصلت العالم عبر تحقيقات سرية لقنوات أجنبية عرت الواقع المؤلم الذي يعيشه عاملات و عمال هذه المصانع من استغلال و العمل في أماكن تنعدم فيها أدنى الشروط الملائمة، في وقت تقول فيه السلطات المحلية إن مكان وقوع فاجعة طنجة وحدة إنتاج سرية؟
أين الوزارات الوصية على القطاع و عن التجهيز؟ أين هي الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة؟ أين المصالح المحلية و الوطنية؟ من المسؤول عن انتشار هذه الوحدات؟ ألم يحن الوقت للتحرك ليس فقط لتفادي تكرار كارثة اليوم وإنما لوضع حد للعبودية التي يشتغل فيها آلاف العاملين و العاملات .
ألا يستوجب الأمر محاسبة جميع من له يد في هذه الجريمة، أم أن هذه الفاجعة ستمر و تنسى و وتعود حليمة لعادته القديمة.
المسؤولية دائما يتحملها صاحب المصنع دون أن نلقي باللوم على باقي المصالح المرخصة، في مثل هذه الكوارث تختلط المسؤوليات ويتم تعويم الحقائق، وبسهولة يتم البحث عن كبش فداء يتحمل العواقب كلها.