الجيران

عندما زار الشاعر أحمد شوقي مدينة زحلة اللبنانية خلال القرن الماضي، نظم فيها شعر مدح جميل و أهدى للمدينة إسما استوحاه من جارها وادي العرائش، فكتب قصيدة «يا جارة الوادي».
لحَّن عبدالوهاب هذا النص الشهير وغنَّاه، ثم غنته بعده فيروز.
صباح أيضا غنت «جاري أنا جاري والباب جنب الباب”.
يتربع الجار مرتبة خاصة في سلم العلاقات الإجتماعية.في كثير من الثقافات ،يكاد يكون فردا من العائلة.
في المغرب،تركت المرحومة رجاء بلمليح أغنية رائعة،عنوانها”يا جار وادينا”.
بخلاف فيروز وصباح،غنت رجاء للجار الجغرافي،بكلمات طيبة ومؤثرة.
نعيمة سميح ايضا غنت لنفس الجار،ونقلت له رسالة بالدارجة المغربية أكثر وضوحا وتفصيلا تحت عنوان”جاري يا جاري،يا لي دارو حدا داري.”
بعد أن نالت الجزائر استقلالها،وأصبح لها اسم بين الدول لأول مرة،وهي التي تعودت أن تعيش في ظل حكم الامبراطوريات الكبرى،و منها المغربية،أول ماراود عقول حكامها هو قضم جزء من تراب الجار،المغرب.
انتهت المحاولة سريعا،بفضل رد فعل صارم و حاسم من طرف الجيش المغربي،لم تترك لبومدين الا ميكروفونا ليبكي فيه سوء حظه.
منذ عقود من الزمن،توالت ضربات الجار الشرقي.طرد وسلح وحرض بكل ما يملك من مال لينغص حياة المغاربة.
حديث الصحافة الجزائرية ،سواء المرئية أو المسموعة،لا يخلو أبدا من ذكر “المروك” و النبش فيما يمكن ان يسيء “للمروك”.
افتراءات الجنرالات لا جديد فيها.سكان البلدين يتقاسمون الدم واللغة والحدود.رغم ذلك،تصر الجزائر على تعكير الجو،وبث البلبلة عبر إعلام بليد ومتخلف.
لا يسمع هذا الجار لا الأغاني ،ولا نداءات الأخوة.أصابه الخرف،وقد يتبعه الشلل والاندثار اذا ما استمر في قراءة تاريخ متجاوز لم يسقط فيه سور برلين بعد،ولم تندثر فيه بعد اديولوجيات ماو تسي تونغ وخطب القذافي الطويلة والمملة.
غنت فيروز كذلك ببراعة “إحنا والقمر جيران”.
أما نحن ،فرغم انشغالنا باشياء كثيرة أهم من مناوشات كابرانات الجزائر العجائز الفاسدين ،فليس لنا سوى أن نغني:
إحنا والديناصورات جيران…
عثمان ناجي
كاتب صحفي


