جْبَابْرة هل تعرفونها؟
السكان يحلون محل مؤسسات الدولة في بناء طريق، وسلطات أورتزاغ تضايقهم

متابعة/ عبد النبي الشراط.
ليست هي المرة الأولى التي ينهض فيها السكان لفك العزلة عن أنفسهم، فهناك أمثلة عديدة على هذا السلوك الحضاري المتميز، لكن في جماعة “جبابرة” قد يختلف الأمر قليلا ربما أو كثيرا، فالسكان هناك يعتمدون بالأساس في معيشتهم على الفلاحة وتربية الدجاج والأبقار، وبعضهم كغيرهم من سكان البادية المحرومة من كل شيء، هاجروا للمدن، لأجل مواصلة العيش، ولأن الهجرة لا سبب لها إلا أمرين: عدم وجود طرق + التنمية.
وبالنسبة ل “جبابرة” منذ الاستقلال لم يستفيدوا من أي شيء، كغيرهم من سكان البادية، خاصة تلك “البادية” التي كانت قبل 1977 محسوبة على عمالة إقليم فاس، ثم اقتطعوها من (فاس) وأنجزوا لها بناية وأطلقوا عليها اسم “عمالة إقليم تاونات” لتبقى بادية جبالة والحياينة وشراكة وغيرها من القبائل معزولة عن الحضارة، لأنهم أرادوا أن تبقى “فاس” نظيفة من هذه اامخلوقات البدوية، وليكون لهم “إقليم” خاص بهم، حتى لا يستفيدوا من أي ميزانية تخص فاس ونواحيها.

وفي كل ربوع هذا الإقليم لا تعثر على شيء يدعى “تنمية”، ومنذ سنة 1980، تم فتح مسلك طرقي (وليس طريق) يربط بين دواوير: جبابرة العليا التابعة لجماعة جبابرة، ودواري: برارين ورضاونة التابعين لجماعة “أورتزاغ” وانتظر السكان حتى سنة 2004، ليتم ترميل هذه الطريق، ومنذ حينئذ، وهم ينتظرون إصلاح هذه الطريق وتقويتها على أقل تقدير، وقد نظم السكان احتجاجات سنتي 2016، و2018، دون أن يسمع لهم المسؤولون ركزا، وحينما يئسوا وتأكدوا أن الدولة بكل مؤسساتها، لا تعيرهم أي اهتمام، قرروا بيع دجاجهم وبيضهم، وشمر شبابهم وشيبهم عن سواعدهم فخرجوا لبناء الطريق بسواعدهم فقط، في غياب تام للدولة والمنتخبون، ومع كل هذا لم يسلموا من “أذى” السلطة، فبما أن دواري: برارين ورضاونة محسوبين على قيادة وجماعة أورتزاغ فقد عمد أحد المقدمين من هذه القيادة لتهديد ووعيد سكان قيادته ومحاولة منعهم من التعاون مع سكان جبابرة، يعني هذا “المقدم” أبلغ للسكان رسالة من طرف “القايد” تفيد بأن السلطة لا ترغب في الإصلاح وهي ضد التنمية، وتلك هي المصيبة.

لكن ما ساعد هؤلاء الناس الذين باعوا “البيض والدجاج” لشراء الأسمنت والرملة وجمع الحجارة لترميم الطريق، هو تضامن أبناء المنطقة الذين يشتغلون في وظائف متعددة، لكن ما يستوجب التوقف حقيقة، هو ذاك “المعلم الأستاذ” الذي كان يدرس هناك في التسعينيات، وحين علم أن السكان نهضوا لإصلاح الطريق بعث لهم بمساهمته المادية، بالرغم من أنه انتقل لمنطقة أخرى أفضل، لكن هذا المعلم لم ينسى كرم الناس هناك ولا فارقته طيبوبتهم فقرر بدوره المساهمة، وهو ما يؤكد أصله ومعدنه النقي، وقد تلقى السكان مساهمته المادية، مهما كانت قيمتها بفرح زاد من تشجيعهم على بذل المزيد من الجهد والعمل.

أما جماعة جبابرة كمؤسسة، فقد وعدت السكان بمدهم ببعض الأسمنت و”الرملة والكرافيط” كما وعدتهم بتمكينهم من آلة “النيبلوز” لشق الطريق ودكها، وإن كانت هذه المساهمة البسيطة متأخرة فهي تؤكد أن رئيس هذه الجماعة قرر أن يخرج من “سرب” المسؤولين المتخاذلين ومد أبناء جماعته ببعض العون والمساعدة. وهو عمل يحسب له ولفريقه بالجماعة.

مسافة هذه الطريق لا تتعدى 6 ستة كيلومترات، وقد وقعت بها حوادث سير مميتة ومؤلمة في الآونة الأخيرة، وتم الشروع في بنائها بطريقة بدائية من طرف السكان يوم الأحد 22 اكتوبر الجاري (2025)، وتوقفت الأشغال مؤقتا وقد تستأنف يوم الثلاثاء 28 اكتوبر الجاري.
سكان جبابرة حقيقة يستحقون أن يكونوا قدوة لبقية الدواوير والمناطق المهمشة بإقليم (اسمه تاونات) ليحذون حذوهم في فك العزلة عن أنفسهم، أما الدولة فلا وجود لها هناك إلا في مجالات إحصاء أنفاس الناس والتضييق عليهم ومحاولة كتم أنفاسهم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.



