مقالات الرأي

لماذا غضب النظام الجزائري من مدريد ؟؟

د. خالد فتحي

لانظن ان الجزائر قد رأت في اسبانيا حائطا قصيرا، حين سارعت الى تفجير غضبها من القرار الاسباني الذي يدعم الرؤية المغربية لحل المشكل المفتعل في الصحراء المغربية، لا بل واستدعاء سفيرها وعلى الفور لأجل التشاور.

فهي تعرف ان اسبانيا بلد ذو سيادة ولايمكن فرض وصاية أو حجر عليه،وتفهم بالتأكيد ان البيان الحكومي الاسباني لم يكن فلتة، أو كبوة غير محسوبة العواقب، أو حتى رضوحا لما تسميه ابتزازا مغربيا لمدريد، لأن الأزمة المفتوحة بين الرباط ومدريد عمرت مايقارب سنة،والافراج عن قرار استراتيجي كهذا من خلال بلاغين متزامنين بين اسبانيا والمغرب لابد وأنه قد مر من كل مراحل صناعة القرار من تفاوض وتفكير وردود واستشراف واتفاق على الكلمات والجمل والصياغات وتنسيق حتى في أشكال الإعلان عنه.

ولذلك هي لا تقصد من وراء هذه الخرجة أن تحاسب اسبانيا أو أن تثنيها عن قرارها ،فقد سبق السيف العزل ،ولكنها تريد فقط التخفيف من خسائرها داخليا وخارجيا، فكيف ذلك؟؟


أولا ،غضب الجزائر هو ردة فعل متشنجة ومتوجسة من القرار الاسباني الشجاع غير المتظر والغير المتوقع في تقديراتها وحساباتها الخرقاء، لأن مايؤرق الجزائر هو معرفة من أين استمدت مدريد كل هذه الشجاعة لتصدح بالحق، وتصطف الى جانب الحقوق التاريخية للمغر ب بعد47 سنة من وضعها الحصى في حذاء المغرب كدولة تشرئب بعنقها لتطاول منصة الكبار.

فالجزائر المستقوية بغازها، والذي تظنه حيويا لأوروبا و سيف دومقليس على إسبانيا بالتحديد ،والتي أدمن حكامها مؤخرا على الشطحات التي لم تعد تخطؤها لا عيون اسبانيا ولا عيون فرنسا ولا عيون كل دول الاتحاد الأوروبي، قد كانت تعتقد انها بهذا السلوك الأرعن، وباتخاذها للطيش سياسة، تستطيع أن ترغم الجميع على توقي شرورها و تفادي أن يحل بهم انتقامها ، ولذلك هي تلتاع من هذا الخطأ الكبير في التقدير الذي افاقت عليه ، وتخاف المعنى الكامن وراء القرار الاسباني ، وهو أن تكون الجزائر قد صارت على كبر مساحتها وثرائها الطاقي دولة صغيرة غير ذات وزن ولايأبه بها في العالم المقبل الذي نتهيا له، ولهذا لم تقصد وهي تحث خطى سفيرها إخافة إسبانيا،وإنما مراجعة اوراقها هي لأن حسابات الحقل لم تعد تطابق محصول البيدر بعد أن لم تجن من الغنيمة بعد مايقارب خمسة عقود من التنسيق مع المستعمر القديم للصحراء المغربية غير الاياب خاوية الوفاض.


إن مجرد الإشادة المغربية بالقرار الاسباني كاف كذلك لكي يثير حفيظة النظام الجزائري ،الذي يعتبر أنه ينبغي له أن يكون دائما في الضفة المعاكسة للمغرب ،حتى أن النظام الجزائري قد يفضل أن يسقط في لظى الجحيم إذا رأى المغرب سيرفل في نعيم الجنة.

فالعقل الباطن للطغمة الحاكمة يأخذ قرراته تجاهنا تحت تأثير الحسد، وليس من خلال مراعاة مصالح الشعب الجزائري، وقديما قد ارتجز الإمام الشافعي بيته الشعري البليغ: كل العداوة ترتجى مودتها- إلاعدواة من عاداك عن حسد .


يغرق النظام الجزائري إذن في بحر الإحباط ، وهو يرى انهيار المشروع الانفصالي الذي رعاه في جنوب المغرب . فالعودة النصوح لاسبانيا الى جادة الحق ،ينزع ورقة التوت عن البوليسارو، ويترك الجزائر وحيدة في حضانتها لهذه الجبهة اللقيطة التي تخلى عنها الكفيل الآخر.

لذلك سيطرح عليها مشكلة لم تستعد لها ،وهي أن تمضي وحيدة في مناكفة المغرب لا تدري هل تمسك ربيبتها المكلفة على هون أم تتخلص منها.

اسبانيا تورطت في استقبال غالي على يد الجزائر ،وقد كلفها ذلك غاليا من مصالحها مع المغرب ،ولم يعد بامكانها أن تستمر في مداراة الجزائر ضدا على مطالب نخبها الاقتصادية المتكررة من القطيعة من الرباط .

انبثاق مثل هذا الوعي هو ماتخشى الجزائر أن تنتقل عدواه إلى الداخل وإلى نخبها الاقتصادية والسياسية الرصينة، التي لابد وأن تنتبه الى أن دولتها إن لم تكن ظالمة فهي فضوليه ومتطفلة على نزاع تقول انه لايعنيها، وإلى أن النظام يصرف ملايير التنمية على رهان خاسر أجرب أصبح الكل يتهرب منه.

وليست اسبانيا إلا أول القطر، لأن فرنسا ستتبع، وكذلك ماتبقى من دول الاتحاد الأوربي التي لن تكون بالتأكيد أكثر جزائرية من الاسبانيين الذين يعرفون الكواليس الأولى وطبيعة المؤامرات التي حيكت ضد المغرب.

و لقد قد بدأت ارهاصات هذا التغيير تتوالى ،فأوربا الآن تعرف أن المغرب خرج قويا منتصرا من رحم الجائحة،و أنه مستقر، وآمن، وموثوق به، ولايعاني أزمة شرعية للنظام كما الجزائر، هي أيضا تريد أن تنجو من أي ابتزاز مستقبلي من طرف الجزائر بسبب الطاقة، ولذلك من المستحيل أن تترك لهذا النظام أية إمكانية لكي يتمدد أكثر من خلال خلق جمهورية وهمية تدور في فلكه وتزيد من تنطعه على جيرانه وعلى أوروبا…

وكذلك وهذا تحول سيستوعبه عسكر الجزائر بعد هذا الانعطافة، أن أوربا لن تسمح بأية حرب في شمال افريقيا، يكفي ليبيا، فكل حرب في جنوب ضفة المتوسط هي في العمق وسيميائيا حرب أوربية.

فهل تطيق اوروبا حربا في شرقها واخرى في جنوبها دون أن تهوي هي نفسها؟


كل التطورات تسير في ركاب المغرب الذي نجحت استراتيجيته وديبلوماسيته الرصينة في اقناع الوازنين دوليا بجدية موقفه. ولقد دقت ساعة الحقيقة. لذلك يكون من المجدي أن تستفيد الجزائر من التجربة الإسبانية، وتقوم بدورها بالمراجعة اللازمة، وتعترف بالحق المغربي، ولاتكون آخر من يفعل ذلك.

الجزائر ستنتصر إذا تغلبت على عنادها، وطوت هذا الملف المفتعل، وشمرت عن ساعدها جنبا إلى جنب مع توأمها المغرب لبناء المغرب الكبير الذي تختفي فيه الحدود.

هذا هو أمل الأجيال الحالية والقادمة للشعب المغاربي، والتي تنظر بعين الاشمئزاز لخلافات الآباء و الأجداد التي آن دفنها للاتجاه يدا واحدة نحو المستقبل الواعد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock