فن وثقافة

رحيل…

عبد النبي الشراط

منذ سبع سنوات إلا قليلا، فقدت امرأة عظيمة وقوية وحنونة كانت هي كل شيء في حياتي وما فضلت عنها يوما أحدا حتى ما نسميه بفلذة أكبادنا، وطيلة حياتي (إلا بعض سنوات الشباب) تعودت أن اقضي معها كل الأعياد وبداية ونهاية شهر الصيام، وكان يستحيل علي خاصة في السنوات الأخيرة مم عمرها أن أقضي هذه المناسبة (المجتمعية) دونها…


وحينما غادرت للعالم الٱخر الذي نجهل عنه كل شيء إلا ما ذكر في القرٱن الكريم من نعيم أعد للمؤمنين والصالحين، وعقاب أعد لغيرهم من المعاندين والمكابرين فإننا نجهل بقية التفاصيل الدقيقة الأخرى.. كيف يعيش الأموات بعد وضعهم تحت الأرض وينصرف عنهم كافة الناس؟
هل يأكلون ويشربون ويتزاوجون أم هم نائمون فقط إلى حين يبعثون؟


قد تبدو هذه الأسئلة سخيفة من شخص يعتبر من العارفين ببعض أمور الدين والتدين.. لكن في نهاية المطاف.. نحن نجهل كل شيء عن عالم الأموات ! والباقي مجرد اجتهادات، خاصة وأننا نعتقد أن بعض الطقوس الاجتماعية مثل (عيد الأضحى) أصبحت دينا أكثر من الدين نفسه، حيث لا يوجد أي دليل عقلي ولا ديني يشرع عيدا مثل هذا حيث هو المناسبة الوحيدة التي يببع فيها الرجل ثلاجته (المبردة) وملابسه وأثاث منزله كي يشتري خروفا يتلذذ بذبحه وسلخه أمام أطفاله ثم ينته الأمر بعد جلسات الشواء وسواها..


إن فريضة مثل هذه لا يمكن أن تكون من عند الله وأن شريعة كهذه لا يجب أن ننسبها لله.
إن الله الرحيم الرحمن شرع العبادات ووضع معالم طريق للمعاملات بين عباده، فنهاهم مثلا عن شهادة الزرو وأكل أموال الناس بالباطل وحرم الخبائث وسواها..


وهذا ما نراه مكرسا في مجتمع يعبد عيد الأضحى ويقدسه أكثر من الله، في المجتمع الذي يحرص على التدين الشكلي ويلقي بجوهر الدين عرض الحائط.. مجتمع يجتهد أفراده في التشبت بالقشور ويتجاهل لب الدين وأساسياته.
أناس يحرصون كل الحرص وأشده على (ذبح) حيوان صباح العيد لكنهم لا يحرصون على عبادة الله كما أمرهم ثم يقولون إن الله غفور رحيم، لكنهم متشبتون بهذه العادة التي أضحت تشكل خطرا على حياة الكثير من الأسر التي لا تستطيع شراء العيد..

أناس يتباهون بالخروف الأكثر وزنا في اللحم والشحم ويعتقدون أن هذا دين، بينما يتجاهلون رحمة الله التي أمرهم أن يتبعوها ليسألوا عن الأسر التي لم تستطع القيام بممارسة هذه البدعة.. ينسون رحمة الله التي طريقها هي معرفة المحتاجين والفقراء فينثرون عليهم بعضا من نعم الله التي يتباهون بها أمام هؤلاء المساكين..


سبع سنوات أو تقترب مرت على رحيل والدتي التي كان رحيلها سببا في معرفة ما إذا كان عيد الأضحى جزءا من الدين أم لا؟


اليوم قررت أن اقضي صباح العيد بجوار قبر أمي وجدتي وجدي وأختي التي كانت رحلت عن هذا العالم قبل أن ٱتي أنا إليه من غير إرادتي.. وقبل ذلك كنت مررت على قبر ابنتي الصغرى التي فقدتها وهي في ربيع سنوات مراهقتها..إستأذنتها أن أخصص هذا العيد لزيارة أمي كما كنت أستأذنها قبل رحيلها لزيارتها وهي على قيد الحياة.
نضال الصغيرة غادرت هذا العالم مبكرا تاركة وراءها (أكواما) من الحزن لا تقل عن (الأكوام) التي تركتها أمي..


أوجد الٱن خلف المقبرة التي تحتضن رفات أمي والكثير من أفراد العائلة والناس الذين رحلوا عنا في هذا المدشر الذي ما زلت أزوره لأتذكر خطوات أمي.. وقلق أمي.. وغضب أمي.. وحنان أمي وحبها الكبير لي..
رحمك الله أمي
رحمك الله ابنتي
ورحمني الله لأنني لم أستطع أن أتخلص من أحزاني عليكما..
عيد مبارك للذين ما زالوا يؤمنون خطأ،أن الذبح يوم العاشر من ذي الحجة دين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock