من يوميات معلمة في نواحي كرامة:(7)

قضيت الليلة في منزل عمي لحبيب مول القهوة، بعد إصرار زوجته يطو على استضافتي ومكوثي معها لحين رحيلي.
بقاي معاي حتى تكملي شغالك وتجمعي حوايجك على خاطرك وترتاحي شوي تونسني،راه عمك لحبيب مشا رباط داه ولدو موحى يدوزليه عند طبيب،عيا عمك لحبيب مابقى يشوف،يقدر يفتح على عينيه،غادي نبقى وحدي جابك الله اوتمانو تونسيني، وغادي نساريك شوي اغرمان دبا فاش كملتي قراية،ياك…
يرن جرس هاتفها لترد: صافي انا جاية بقاي تم، تلتفت نحوي غادي نمشي نتعرض لبنت عمي حادة جاية من ايت عياش مع بنتها حجو، صافي نعسي شوي رتاحي اوتمانو،مغاديش نتعطل،غاندوز قهوة نصيفطلك اتاي مع عليلو على مترتاحي، صافي، سكتت قليلا لتكمل…عفاك اوتمانو متخلعيش ملي تشوفي بنتها راه مريضة شوي فعقلها، راه جابتها بغات تديها شي فقيه هنا يكتب لها ياك ميجيب الله الشفاء.
مرهقة انا ،مثقلة عيناي،اتساءل لماذا لا تأخذ حادة ابنتها لزيارة طبيب نفساني؟لاتزال ضحكات التلاميذ والقهقهات واجواء الحفلة ترن في اذني، وصوت امي وهي تودعني: الله يرضي عليك ابنتي تهلاي فراسك ،كان فراق أمي صعبا،فقد قضيت أيام عطلة العيد طفلة مدللة في حضن امي انام،نوما عميقا،لا أحد يزعجني،ولا مسؤولية قسم ولا توقيت مقيد ولا التزامات،راحة افتقدتها كثيرا، ليمر الوقت بسرعة واجدني أجمع اغراضي من جديد لاعود الى هنا، حتى وإن كانت عودتي هذه المرة لمجرد التوقيع وجمع اغراضي والرحيل، لكن هذا الاحساس ينتابني كل مرة أسافر فيها وأغادر حضن أمي وأبي…
استفيق على صوت عليلو الخادم وهو ينادي،يضع صينية الشاي ورائحة النعناع تفوح، وهو نعناع حديقة المقهى يحرص عليلو دوما على سقيه والاعتناء به مع الشيبة، فهما مطلوبان دوما من لدن الزبناء…راه المغرب قريب أودن أوسادة،ايوا نوضي كولي شي حاجة،مرحبا بك. أضحك مازحة وأنا أنظر إلى قضبان لحم مشوي: لهلا يخطيك عليلو،ولكن هادشي بزاف منقدر ناكلو، يقهقه وهو يقول: واكلي تصحاحي بحال توتمين، وأنت دايرة كيستيلو،ضحكت كثيرا من خفة دمه وانا اتخيل نفسي بحال ستيلو، واش كحل ولا زرق اعليلو.
هذا الفتى الأسمر القصير البدين،يبدو طيبا ونظيفا رغم فهمه الثقيل، فهو ابن أحد الرحل الذي يسكن في الخيام، فقد أمه وهو طفل صغير ،فكلفه والده الذي تزوج من جديد برعي الغنم، لكن اهمال زوجة الأب له وتعاملها القاسي والفظ معه جعله يقضي جل وقته مع الغنم تائها جائعا منعزلا، وذات مرة اصطحبه أبوه إلى مقهى عمي لحبيب لشرب شاي في انتظار مولاي علي للذهاب إلى كرامة، مما جعل عمي لحبيب يرق لحاله ويقترح على الأب ان يترك عليلو ليساعده في أعمال المقهى والمنزل، فهو كبير في السن ويحتاج مساعدا،فرحب الأب بالفكرة التي كانت حلا حتى يتفادى المشاكل الدائمة مع زوجته بسبب وجود عليلو الذي تعود يوما بعد يوم على التواصل مع الزبناء وأبناء اغرم وتخلص من خجله قليلا وانطوائه،كما أن ابن عمي لحبيب موحى القاطن بالرباط يعتني به ولا يبخل عليه بشيء حين يأتي،يشتري له الملابس وما يحتاجه ويرافقه أحيانا في جولاته،حتى تعود على نمطه الجديد وهو أهل للثقة ومحبوب من لدن الجميع، تعتمد عليه يطو وعمي لحبيب فقد أصبح بمثابة الابن.
استفيق ثانية على صوت طفولي، سادة سادة،واش انت هيا سادة، لأجد أمامي طفلة في الثانية عشر تعانقني بشدة ويطو تحاول أن تخلصني منها، حشومة،حشومة راه سادة غادي تضربك، حاولت أن ابتسم وأنا اعانقها في لطف،مرحبا،مرحبا، لتقترب مني أمها، تعانقني بدورها، سلام تلموعليمت،لاباس راه هضرت لنا عليك يطو فطريق،هادي بنتي حجو،متديش عليها،غير بغات تسلم،عليك.
في لطف رويدا رويدا،هدأت حجو وهي تقترب مني من جديد دون خوف،فقد تعودت على التعامل مع الصغار ،لتذهب يطو وحادة إلى المطبخ لإعداد العشاء وهما تثرثران،تحكيان عن الأهل ويطو تسالها عن الأخبار والجديد،لتبقى حجو تلعب بدميتها التي لا تفارقها، تضمها أحيانا،وتحدثها،تارة،وتضربها أخرى،تنط هنا وهناك،في الصالة تغني وترقص،أراقب حركاتها،تشرب الشاي وبعض الحلوى التي وضعتها في الطاولة من صنع أمي وأنا أحاول متابعة أحد الافلام في قناة أجنبية دون جدوى بسبب صوتها المزعج وبين الفينة والأخرى…تسألني حجو كم الساعة دون أن أفهم السبب، فهل هي جائعة بسبب تأخر العشاء؟طبعا لا يعقل فقد تناولت الكاسكروط في نهم ولا تزال تقرض الحلوى ،وحين أخبرتها أنها منتصف الليل،اقتربت مني فجأة تعانقني وتبكي،سامحيني،سامحيني،عفاك اوسادة،سامحيني،أرعبني صراخها، أحاول تهدئتها، أنا مسامحاك،لكنها تصرخ مجددا سامحيني عفاك،عفاك،مسامحاك دنيا وآخرة غير تهدني، تأتي أمها مسرعة بعد سماع صراخها،تتقدمها يطو وهي تحاول أن تخلصني من قبضتها، وأمها تعتذر سامحاخ تلموعلمات،متخافيش عفاك،راه بغاتك غير ديري لها دوزيم تتفرج فمسلسل، سامحيني مولفة كتفرج فيه حيت كيعاودوه بليل فهاد وقت،،،
يتبع